العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ

السبل الناجعة لتفادي تكرار الأزمات الغذائية

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

تراجعت أسعار المواد الغذائية في الشهور الأخيرة بعد أن وصلت إلى أعلى مستوياتها هذا العام. ومع ذلك، لاتزال الأمم المتحدة تحذر من أزمة غذاء يمكن أن تلقي بأكثر من 100 مليون فرد في براثن الفقر المدقع.

فهل يجب أن يبقى الغذاء غاليا علما بأن عدد البشر في تزايد مستمر ونمو دخلهم الفردي يرفع من معدلات الاستهلاك الفردي؟ تؤكد منظمة الغذاء والزراعة التابعة إلى الأمم المتحدة في آخر تقرير لها أن قرابة مليار فرد يعانون من نقص في التغذية. فهل يحتم عليهم قدرهم البقاء جائعين؟ كلا على الإطلاق.

خلال النصف الأخير من القرن العشرين، تنامى عرض المواد الغذائية على نحو أسرع من تنامي الطلب، فتراجعت الأسعار الحقيقية للحبوب بمعدل 75 في المئة. وهذا التراجع خفض التكاليف الغذائية علما بأن النظام الغذائي البشري يتكون من أكثر من 60 في المئة من الحبوب. أما في الآونة الأخيرة، فقد بدأ النمو السكاني بالتباطؤ، غير أن الطلب على المواد الغذائية مازال يشهد ارتفاعا سريعا نتيجة ارتفاع المداخيل. وبحلول العام 2050، ربما يتزايد الطلب على المواد الغذائية إلى ما بين 60 في المئة و100 في المئة. فان لم نقم بزراعة وإنتاج المزيد من المواد الغذائية في الهكتار الواحد واستغلال المزيد من الأراضي، ستستمر الأسعار في الارتفاع.

إن الارتفاع الحالي للطلب على المواد الغذائية كان أمرا متوقعا. بل أنه، وكما قال المدير العام لمنظمة المواد الغذائية والزراعة التابعة إلى الأمم المتحدة جاك ديوف: «كان متوقعا، وقد تنبأنا به، وكان يمكن تفاديه... ولكن العالم فشل في ذلك». ولكن يجب عدم إلقاء اللائمة على «العالم»: فاللوم يقع على الحكومات المنفردة، ولاسيما في البلدان الأكثر فقرا، حيث أقامت الكثير من العوائق الضخمة بوجه حركة المواد الغذائية، ما أبقى الأسعار مرتفعة. حيث إن نسبة المبادلات التجارية في ما بين الدول الإفريقية لا تتجاوز 15 في المئة فقط من حجم مبادلاتها الكلية. أما التعرفة الجمركية في البلدان الفقيرة فمعدلاتها أعلى مما هي عليه في البلدان المتطورة. ففي جنوب الصحراء الإفريقية، يبلغ معدل التعرفة على الواردات الزراعية 33 في المئة. كما أن التدابير التنظيمية المتفاقمة، والشريط الأحمر، والتأخيرات عند نقاط التفتيش الجمركي والفساد، تزيد الوضع سوء.

وبما أن هذه العوائق ترفع أيضا تكاليف المدخلات (inputs)، فان المنتجين المحليين يصبحون غير قادرين على الاستجابة لارتفاع الطلب على المواد الغذائية.

فأوكرانيا هي خير مثال على بلد يمتلك إمكانات زراعية ضخمة لكنها بقيت غير مستغلة. فإذا تحسنت جودة الزراعة وتم استعمال مدخلات أفضل، كالأسمدة، يمكن لأوكرانيا أن تضاعف محاصيلها الزراعية الحالية، وستصبح قادرة على تصدير من 50 إلى 80 مليون طن إضافي من الحبوب في العام الواحد. وهذه الكمية تكفي، من حيث القيمة الغذائية للحبوب، لإطعام 50 مليون شخصا في الصين. أما في الهند، حيث معدل الاستهلاك أقل مما هو عليه في الصين، فهي تكفي لإطعام 100 مليون نسمة.

وتعتبر الأراضي الأوكرانية أراضي خصبة قابلة للزراعة حيث كان هذا البلد من بين رواد العالم في ميدان الزراعة في منتصف ثمانينات القرن التاسع عشر. وأصبحت أوكرانيا بعد ذلك الممول الغذائي للاتحاد السوفياتي. وعلى رغم الإرث الشيوعي، فأوكرانيا مازالت بلدا مصدّرا للمواد الزراعية. ولكن التدخلات الحكومية وفرض نظام الحصص على الصادرات أبقى معدلات الأسعار المحلية منخفضة بشكل مصطنع، ما بدد جميع محفزات وطموح المزارعين.

والأرجنتين مثال مشابه لأوكرانيا من حيث إهدار وتبذير إمكاناته الزراعية. حيث إن زراعة 15 مليون هكتار، بدلا من التسعة ملايين هكتار التي تزرع حاليّا يمكن أن تنتج 30 مليون طنّا إضافيّا من الحبوب للتصدير كل عام. وبوسع هذا الرقم أن يغذي 30 مليون نسمة في الصين، أو60 مليونا في الهند، لسنة كاملة. ولكن، هنا أيضا، يتراجع الإنتاج بسبب الممارسات السياسية لإدارة الرئيسة كريستينا فيرناندز. هذه الأخيرة اتبعت نهج الحكومات السابقة مستخدمة جميع المناورات التكتيكية المتوافرة لأجل إبقاء المواد الغذائية رخيصة مهما تكن التكاليف. ففي مارس/ آذار الماضي، تمت زيادة ضرائب الصادرات على الكثير من السلع الغذائية، فوصلت نسبة الضريبة على فول الصويا، وهو أهم منتوج موجه للتصدير، إلى 45 في المئة.

لقد تسببت عدة عقود من ممارسة مثل هذه السياسات في تقليص حجم الأراضي المزروعة منذ مطلع ستينات القرن العشرين. كما أن السياسات الاقتصادية الانعزالية الرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي أثبتت فشلها وخلقت مشكلات جمة لكثير من البلدان، ولاسيما تلك التي لا تتوافر على إمكانات ضخمة كأوكرانيا أو الأرجنتين. كما أن نيجيريا، والسنغال، ومالاوي قد لهثت خلف سراب هذه السياسات، في حين أن الكثير من بلدان جنوبي الصحراء الكبرى تفخر فعلا بكونها «مكتفية ذاتيّا». فكانت النتيجة انخفاضا خطيرا للاستهلاك الغذائي الفردي.

في محاولاتها للإبقاء على أسعار المواد الغذائية رخيصة تفشل الحكومات في إدراك أن الصادرات المقيدة والضرائب الزراعية تقلص من استثمار وإنتاج المزارعين. فالنتيجة هي ارتفاع شامل للأسعار.

لقد أدت ردود فعل الحكومات إزاء الأزمة الغذائية إلى نتائج عكسية: إذ قام أكثر من 30 بلدا بفرض قيود على الصادرات أو منعها كليّا، ما ساهم في تفاقم ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وخلاصة القول فإن تحرير التجارة وتحرير المزارعين من القيود المفروضة عليهم من قبل السياسيين يبقى السبيل الأنجع لتحقيق مصلحة المنتجين والمستهلكين في كل مكان.

*أستاذ الاقتصاديات الزراعية والبيئية والتنمية في جامعة ولاية أوهايو، ومؤلف التقرير المرتقب لشبكة السياسة الدولية عن التجهيزات الغذائية العالمية. كما أنه مشارك في تأليف الكتاب الموسوم اقتصاد الغذاء العالمي (بلاكويل 2007)، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع مصباح الحرية

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً