فيما تتراشق مومباي وإسلام أباد الإتهامات والتهديدات العلنية والمبطنة الناجمة عن هجمات بومباي الدامية التي خلفت نحو 200 قتيل وأكثر من 300 جريح، وتضع الدولتان، الهند وباكستان قواتهما المسلحة في حال تأهب، ويذهب الإعلام الهندي إلى القول بأن «بلاده التي تشهد موجة اعتداءات لمتطرفين إسلاميين على علاقة بالقاعدة، أوقعت نحو 1500 قتيل في غضون 16 شهرا هي أيضا ضحية الإرهاب»، وبينما تتابع وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية الكبرى تداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية، في خضم كل ذلك، وفي صمت إعلامي يقترب من صمت القبور، ترفع مجموعة من الزيمبابويين دعوى إلى محكمة في هراري ضدّ مؤسسة حكومية «لأنها لم توفر لهم الماء الصالح للشراب». يأتي ذلك مع وصول عدد الوفيات بسبب الكوليرا 400، تقول مصادر منظمة الصحة العالمية إنها تزيد على 300، يقابلها نحو 316 إصابة أخرى في العراق، في حين تحذر الهيئة الدولية للصليب الأحمر من أنّ هناك أكثر من 9500 إصابة بالوباء. وكما هو معروف تفتقر زيمبابوي أساسا إلى الخدمات الصحية الجيدة فضلا عن افتقارها لأنظمة صرف صحي ملائمة.
أما وزير الصحة في زيمبابوي، أدوين موغتي فقد حاول أن يخفي حجم الأزمة فقال في لقاء له مع تلفزيون الدولة، إنه «مع بدء موسم الأمطار قد يتفاقم الوضع. مشكلاتنا بسيطة نسبيا لكننا نحتاج الى المساعدة».
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لم يجد أفضل من إصدار بيان يعرب «فيه عن قلقه إزاء انهيار الخدمات الصحية والتعليمية وما خلفته من تدهور انتشار الكوليرا».
وتعتبر الكوليرا من الأمراض المعوية التي تم اكتشافها مبكرا وهي تنتشر، أساسا، عن طريق المياه الملوثة، ويمكنه (المرض) أن يسبب إسهالا حادا قد يؤدي في الحالات القصوى إلى جفاف قاتل. ويمكن تفادي المرض عبر معالجة مياه الشرب بالكلورين وتحسين العادات الصحية.
من دون وعي أو قرار مسبق، استرجعت، وأنا أصطدم بقراءة الخبر، أحداث رائعة الكاتب الكولومبي غابريل ماركيز «الحب في زمن الكوليرا». ولد ماركيز في 6 مارس/آذار 1928، في مدينة أراكاتاكا. وفي العام 1982 حصل على جائزة نوبل للأدب عن روايته الرائعة «مئة عام من العزلة» لكنه رفض أن يتسلمها مبررا ذلك بخجله «من حمل هذه الجائزة في الوقت الذي يحمله فيها مرتكبو المجازر في فلسطين ولبنان». ولماركيز أعمال كثيرة ترجم العديد منها إلى العربية - من بينها « الحب في زمن الكوليرا» - مثل «مئة عام من العزلة»، و «خريف البطريرك».
وعودة لرواية «الحب في زمن الكوليرا»، تلك الرواية الجميلة المزدحمة بالأحداث التي، من النادر أن يستطيع كاتب غير ماركيز أن يسردها. الرواية مليئة بالأحداث ، فهي تروي قصة رجل وامرأة أحبا بعضهما منذ المراهقة وحتى ما بعد بلوغهما السبعين، وتصف بجمالية فائقة ما طرأ من تغيرات حولهما وما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي.
السبب الذي جعل ماركيز يربط بين أحداث القصة و»الكوليرا» والتي نلمسها كبطل رئيسي ثالث في الرواية يأخذ صورة وحش كاسر ينتشر في المدينة ويفتك بكل ما يعترض طريقه، هو ابتلاء المنطقة بذلك الوباء الخبيث. ولا يفوت ماركيز، وهو اليساري الملتزم بقضايا الفقراء أن يربط بشكل ذكي بين الفقر والكوليرا، ورفض أسرة «فيرمينا اديثا» تزويجها ممن أحبته وهو الفقير «فلورنتينو اريثا». ويمزج كل ذلك بسخرية حادة تكشف في مرارة، يطعمها القارئ في نص ماركيز، هزيمة الإنسان، على رغم كل إنجازاته ونجاحاته أمام مرض من نوع الكوليرا.
ينهي ماركيز الرواية في صورة قاتمة ترسم صورة سفينة شبه تائهة تبحث عن مرسى يبدو وكأنه غير موجود. لكن السفينة تواصل بحثها من دون توقف إلا عند حاجتها للتزود بالوقود مميزة نفسها بعلم أصفر يرفرف فوق صاريتها يعترف بتلوثها بوباء الكوليرا.
وإن كان من الصعب اقتباس عنوان لرواية جديدة مثل تلك التي صاغها ماركيز، فلربما نقرأ قريبا واحدة مشابهة لكن بعنوان مختلف مثل «الحب في زمن الإرهاب»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2278 - الأحد 30 نوفمبر 2008م الموافق 01 ذي الحجة 1429هـ