العدد 2277 - السبت 29 نوفمبر 2008م الموافق 30 ذي القعدة 1429هـ

انتقال دولنا من المراهَقة إلى النُّضج

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

موضوع البترول العربي، سعرا وثروات واستثمارات، يمرّ الآن في فترة فوضى تحليلية محيِّرة، وفي مثل هكذا ظروف يتساءل الإنسان إن كان باستطاعة حكومات البترول العربية التخطيط لأية خطوات معقولة في المستقبل القريب. والواقع أن قلّة الشفافية في مناقشات الدوائر الرسمية يؤدي إلى زيادة في تلك الفوضى وإلى قلق عند مؤسسات المجتمع الاقتصادية على الأخص والمواطنين.

من ناحية السعر الذي يمكن اعتباره معقولا وكافيا لتسيير أمور هذه الدول تتضارب الآراء حوله بشكل لافت. فمنظمة أوبيك تعتبر سعر البرميل الذي يتراوح بين سبعين وتسعين دولارا سعرا معقولا وعادلا، لكنها لا تعطي تفسيرا اقتصاديا مقنعا لذلك الاستنتاج. ومنذ فترة وجيزة خرج علينا «خبراء» عبر التلفزيون ليؤكدوا لنا أن سعر الستين دولارا للبرميل سيكون كافيا لتسيير أمور دول البترول الحياتية ولتنميتها. لكنا فوجئنا منذ بضعة أيام «بخبير اقتصادي» من السعودية يؤكد أن دول مجلس التعاون البترولية قادرة على تحمُّل انخفاض أسعار النفط حتى لو هبط إلى ثلاثين دولارا.

إزاء كل هذه التكهنات الغامضة المتضاربة، وغير المسبّبة، لم نقرأ أو نسمع بعد من مسئولين رسميين تعليقا على موضوع حسّاس يمسُّ صميم حياة هذه الدول: دفع رواتب موظفيها، توفير مشترياتها الغذائية والمعيشية الأخرى، وصيانة بنياتها التحتية. في حيرة من أمره، وخصوصا أن التاريخ القريب يعلمنا بأنه عندما نزلت أسعار البترول في أواخر القرن الماضي إلى المستويات الدنيا تبيّّّّن أن بعض الحكومات اضطرت لأن تستدين قروضا لدفع رواتب موظفيها.

إن ما يجعل أمر السعر أمرا جديا ومقلقا هو كثرة الحديث عنه في دوائر الغرب وخلف الأبواب المغلقة في أرض العرب؛ فشبكات الانترنت نقلت مقابلة للخبير الاقتصادي الأميركي وليام لندزي على إحدى شاشات التلفزيون الأميركية ذكر أثناءها أن اتصالاته ببعض أصحاب القرار والنفوذ في الولايات المتحدة الأميركية أظهرت إصرارا متزايدا على تخفيض أسعار البترول ومنع دول البترول العربية من أن يكون لها أي تأثير على الحياة الاقتصادية في الغرب. وأضاف ذلك الخبير أن بعض أصحاب النفوذ أضافوا بشماتة عنصرية «بأننا سنعيد العرب إلى صحرائهم كرعاة جمال وأغنام». فإذا استذكرنا مقالة الصهيوني كيسنجر، وزير خارجية أميركا الأسبق، التي نشرها منذ فترة وجيزة وطالب من خلالها بمنع العرب من تكوين ثروة بترولية قادرة على التأثير في مستقبل الأسواق العالمية، وأضفنا ما تناقله البعض من أن مسئولا سعوديا رفيع المستوى عبّر عن خشيته من أن جزءا من العاصفة المالية العولمية الحالية موجَّه لاستنزاف أموال البترول العربية، فإننا لا يمكن أن نعتبر قضية سعر البترول قضية عرض وطلب فقط. إنها قضية مرتبطة بالحراك الجيوسياسي الدولي، وبالتالي فالتعامل معها يجب أن يمر من خلال مناقشات مجتمعية واسعة ومن خلال شفافية رسمية واضحة.

لكن الاهتمام بقضية أسعار البترول العربي يجب أن يربط مباشرة وبصورة مستعجلة باستعمال واستثمار ثروات البترول، إذ من غير المعقول القبول بعد الآن بأنه إذا ارتفعت الأسعار زاد سفه التبذير والاستهلاك في بلداننا وإذا اتخفضت الأسعار زاد التقتير والبخل على فقرائنا ومهمّشينا.

ثم إن هناك موضوع مكان الاستثمارات وأنواعها. فالحقيقة المُرة هي أن عوائد دول الخليج البترولية العربية من البترول خلال السنوات الخمس الماضية قُدِّرت بنحو ألفي مليار دولار. لكن استثمارها في بورصات وعقارات الغرب وتبذيرها في مضاربات الأسهم والعقارات المحلية قد أضاع ألف مليار منها خلال هذا العام بسبب الهزَّّّّّّّّّّّّّّة المالية الحالية. فهل ستتعلَّّم حكوماتنا ومجتمعاتنا مما حدث، وتبدأ بإعادة التفكير في كيفية وفي أمكنة استثمار ثروة البترول؟ هل ستتعلّم، حكوماتنا ومجتمعاتنا، أن ننتقل من مرحلة المراهقة إلى مرحلة النضج عند تعاملنا مع القضية البترولية برمّتها؟ إن رؤساء حكوماتنا يجب أن يجتمعوا مع ذوي العلم والخبرة المحليين لبحث هذا الموضوع بدلا من إضاعة اجتماعات قممهم في البحث عن وسائل احتواء تلك الدولة الإقليمية أو الاستجابة لأجندات ومطالب تلك الدولة الكبرى العالمية

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2277 - السبت 29 نوفمبر 2008م الموافق 30 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً