كثيرا ما نسمع أن أميركا تمارس وتستخدم في تعاملاتها مع الدول الأخرى أساليب وتكتيكات وطرق مختلفة تتأرجح بين الترغيب والترهيب وبين التهديد والوعيد ، وهي ما تعرف بسياسة العصا والجزرة ، وهي سياسة يستخدمها الأقوياء بحق الضعفاء عادة فما المقصود من تلك التسمية وماذا تعني وما هو تفسيرها؟
من المعروف بأن العصا ترمز أو تدل على أداة للضرب والعقاب أي أنها الأداة التي يستخدمها الإنسان في معاقبة الأخرين الذين هم تحت سلطته كأبناءه أو حشمه أوخدمه أو حتى رعيته إن كان حاكما أو أميرا وأراد معاقبتهم ، أو من قبل أحد الأشخاص الذين يخولهم أصحاب النفوذ والسلطان لممارسة مثل هذا الفعل، وهذه الأداة يستخدمها رجال الشرطة في مختلف دول العالم لضرب المتظاهرين أو مفتعلي ومثيري الشغب في تلك الدول وهي تعرف بالهراوة ، فالعصا هي لمن عصى كما يقول المثل، والعصا لدى أميركا تعني القوة العسكرية والجبروت والبطش والطغيان ، وفرض الحصار الاقتصادي، والمباغتة بالضربات الاستباقية وشن الحروب على الدول وغيرها من العقوبات الصارمة.
أما الجزرة فهي نوع من الخضراوات المفيدة ويشاع أنها تقوي نظر من يكثر من أكلها لاحتوائها على كمية كبيرة من فيتامين ألف كما يقول خبراء التغذية، والمعروف أن الغذاء المفضل للأرنب هو الجزر، والأرنب يشتهر بحدة النظر لديه، ما يؤكد صحة المقولة السابقة لكون الجزر يقوي النظر، ولا ندري لماذا اختاروا الجزر ليكون نقيضا للعصا، ولم يختاروا نوعا آخر من الخضار كالخيار مثلا أو فاكهة أخرى تكون أكثر فائدة من الجزر.
المقصود من الجزرة في تلك المقولة هي الجائزة أوالمكافأة لمن يكون في موضع ثقة ورضا من قبل الآخرين لتكون دافعا وحافزا له للحصول على موافقته أو قبوله لأمر ما، ودفعه للاستمرار في الشروع ِ في ذلك الأمر بلا تردد أو تراجع، والموافقة على كل ما يطلب منه والسير وفق الخطة المرسومة له بلا نقاش أو جدال أو أية معارضة.
والمراد بتلك السياسة هي أن أميركا كعادتها تمارس أسلوب التهديد والوعيد والضغط بقوة على الدول التي ترفض تبني وتنفيذ سياساتها والجريان في فلكها، فتتذرع بأعذار وحجج واهية، وتختلق وتخترع المشكلات والقضايا لتلك الدول، لتجد المبررات لها، فتلوّح بعصاها الغليظة وتطلق تهديداتها، أو تقوم بالتحريض ضدها وتأليب الدول الأخرى عليها، ومن ثم تفرض الحصار الاقتصادي والعسكري عليها، أو توقف المساعدات المالية والعسكرية عنها إذا كانت من ضمن الدول التي تقدم لها أميركا مثل تلك المساعدات، وغيرها من عقوبات وممارسات عدوانية كالضربات العسكرية الاستباقيـة وشن الحروب عليها.
كذلك تقوم أميركا باغداق سيل المساعدات المادية والعسكرية وغيرها من المساعدات المعنوية والعينية، وتنهال الجزرات الأميركية على الدول التي ترضخ لأوامرها وتنفذ سياساتها ورغباتها، وتسبح في اتجاه التيار الأميركي، وتسبّح بحمدها وتجري في فلكها، وتكون خاتما في إصبعها وبمثابة الخادم المطيـع لها.
يذكر أن أميركا هي ليست وحدها من يتبع (سياسة العـصا والجزرة) فهـذه السياسة تتبعها الدول والحكومات كما يستخدمها أصحاب القرار وأصحاب الجاه والنفوذ والمتنفذون، ولكل من لديهم سلطة ولو محدودة في التعامل مع الآخرين، في مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات والمرافق الحيوية وفي مختلف مرافق الحياة، وهذا المفهوم لا يدخل ضمن الثواب والعقاب، ولكنه يعتبر أسلوبا للابتـزاز وفرض الأمر الواقع، وهو ما يعرف بحكم القوي على الضعيف، مع اختلاف الطريقة والأسلوب في تطبيق ذلك المفهوم.
في زمن أصبح الحكم فيه للأقوياء، وأصبحنا أقرب ما نكون مجبرين للانصياع والخضوع لقوانين شريعة الغاب التي تطبق في الغابات والأحراش، ويكون الأسد هو سيد الغابة وهو الآمِر الناهي، وعلى بقية الحيوانات أن تكون تحت أمره وتنفذ أوامـره وهـذا ما تسعى إليه جاهدة أميركا لتكون هي سيدة المواقف وباقي الدول تصبح تحت أمرها وتنفذ أوامرها، وهي التي تعتبر نفسها الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في عصرنا الحديث.
فهل تنجح أميركا في تنصيب نفسها امبراطورية في هذا العالم الذي باتت فيه التكتلات السياسية والاقتصادية تطغى عليه، وأصبح - لا مكان تحت الشمس - ولا كلمة مسموعة للدول المتفرقة والضعيفة، وأصبحت أميركا والدول المتحالفة معها هي التي تدير عجلة الصراع والبقاء والفناء في العالم.
محمد خليل الحوري
العدد 2276 - الجمعة 28 نوفمبر 2008م الموافق 29 ذي القعدة 1429هـ