العدد 2276 - الجمعة 28 نوفمبر 2008م الموافق 29 ذي القعدة 1429هـ

هجمات مومبي وتداعياتها الإقليمية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ظاهرة انتشار العنف في الهند وباكستان وأفغانستان قد تشكل ذريعة للحروب الإقليمية إذا لم تتحرك الدول المعنية وتتعاون أمنيا لمحاصرة امتدادات الظاهرة وعزلها في إطاراتها الموضعية (المحلية).

الاحتمالات تبدو مفتوحة على الاتجاهين بعد أن وجهت الحكومة الهندية أصابع الاتهام إلى الحكومة الباكستانية على إثر الهجوم الذي شنته منظمة مجهولة على مواقع سياحية ومالية وتربوية في مدينة مومبي التجارية.

أصابع الاتهام لم تذكر باكستان بالاسم ولكنها رسمت خريطة طريق تتجه نحوها. وهذا ما دفع وزير الخارجية الباكستاني إلى الرد والنفي مقترحا إنشاء خط ساخن بين البلدين لاحتواء هذه الظاهرة المخيفة التي سددت ضربات قوية أيضا إلى مواقع سياحية وتجارية في إسلام آباد.

أسوأ إشارات الهجوم الذي تعرضت له مومبي كان ربطه بمفردات تدل على وجود دور للقوى المسلمة في التخطيط والتنفيذ. وهذا الأمر يساعد على تقديم كل المبررات لتعزيز القوى الهندوسية المتطرفة التي تبحث عن ذريعة للهجوم العسكري على الحدود الباكستانية وللضغط على الأقليات المسلمة التي تعيش حالات من الحصار في ولاية كشمير وغيرها من المناطق.

حتى الآن تبدو الأسماء غامضة أو مجهولة لتحديد الطرف المسئول عن تلك الهجمات المجنونة التي تعرضت لها مومبي. ولكن الخطورة تكمن في هذا الأمر. فالمنظمات الغامضة الأهداف والمجهولة العنوان تفتح دائما باب التفسيرات و التأويلات على احتمالات مختلفة وتعزز فكرة «المؤامرة » الخارجية باعتبار أن كل الجهات في المنطقة متورطة وفي الآن ضحية.

باكستان مثلا ضحية الإرهاب وهي أيضا متهمة باحتواء بعض المنظمات التي تتبع نهج العنف. وأفغانستان بدورها ضحية العنف (تفجيرات متواصلة في كابول) ومتهمة أيضا بتصدير الإرهاب. والهند التي تعرضت إلى سلسلة هجمات في مومبي ونيودلهي وأحمد آباد في السنوات الماضية متهمة باستخدام العنف في التعامل مع حقوق الأقليات المسلمة وغير المسلمة في بعض المناطق.

مسألة انتشار العنف ونمو ظاهرة الإرهاب وغموض أهداف الجهات المجهولة التي تخطط وتمول وتنفذ العمليات تطرح فعلا أسئلة عن الطرف المستفيد من هذه الهجمات العشوائية، وماذا يريد هذا «الوجه الخفي» من وراء التغطية عليها وتسهيل مهماتها؟ باكستان غير مستفيدة لكونها ضحية الإرهاب وتعاني من مشكلات مالية واقتصادية معطوفة على توترات قبائلية وتجاذبات أهلية مناطقية ومذهبية. ومصلحة باكستان تقتضي فعلا التهدئة وعدم استفزاز جارها الكبير حتى لا تتورط في حرب غير قادرة على دفع كلفتها وتحمل نتائجها. والهند أيضا التي بدأت تشهد في السنوات العشر الماضية موجات من النمو الاقتصادي أصبحت في موقع إقليمي يضغط عليها لمنع الانجرار نحو مواجهة حدودية مفتوحة على الداخل.

تبقى أفغانستان التي تعتبر دولة محتلة أو موضوعة تحت رقابة الاحتلال الأميركي (الدولي).

فهذا البلد الذي يعاني من تشرذم قبلي وحكومة ضعيفة وتجاذبات داخلية تخترق الحدود وتمتد إلى دول الجوار تحول في السنة الأخيرة إلى ساحة للصراع الإقليمي بعد عودة حركة «طالبان» إلى الظهور على مسرح السياسة الدولية.

أهمية أفغانستان تنبع الآن من كون ملفها أصبح على رأس أولوية السياسة الخارجية الأميركية منذ فترة ليست قصيرة. فإدارة جورج بوش التي تستعد لمغادرة البيت الأبيض بعد أقل من شهرين أخذت تركز منذ مدة على خطورة ملف أفغانستان وبدأت تتهم أجنحة في حكومة باكستان وأجهزة المخابرات بالضلوع في التخطيط أو تشجيع عمليات العنف التي تحصل في كابول أو على الحدود (مقاطعة وزيرستان). وهذه الفرضية التي أنتجتها وروجتها إدارة بوش تحولت إلى مهمة رئيسية في برنامج الرئيس المنتخب. فالرئيس الصاعد إلى البيت الأبيض يختصر ملف الإرهاب بنقطة مركزية وهي تعزيز قوات الاحتلال في أفغانستان ونقل بعض القطاعات العسكرية من العراق إلى كابول حتى يتم تطويق العنف والقضاء على منابعه. والمنابع برأي فريق باراك أوباما تكمن في مرتفعات تورا بورا والجبال المحيطة بها والممتدة جغرافيا إلى باكستان.

تبسيط المشكلة

فرضية أن باكستان (أجهزة الأمن والمخابرات) تقف وراء أعمال العنف والإرهاب وربما المقاومة في أفغانستان مسألة خطيرة سياسيا لأنها تفتح الباب الدولي أمام مواجهة إقليمية يمكن أن تكون لها تبعاتها السلبية على دول الجوار والمحيط الجغرافي في منطقة جنوب شرق آسيا. فالفرضية التي تقوم على تبسيط الأمور والعوامل والدوافع تعطي ذريعة لرفع درجات التوتر الإقليمي وتساهم من قريب أو بعيد في تبرير انتشار العنف وامتداد الإرهاب وتنقله من إسلام آباد وكراتشي إلى نيودلهي وأحمد آباد ومومبي... والعكس.

خطورة فرضية «أن باكستان هي المشكلة» أو «أن إسلام آباد تتحمل مسئولية التدهور الأمني في أفغانستان وربما الهند» أنها تحولت إلى مسلمة نهائية في برنامج أوباما وسياسته الخارجية في تلك المنطقة الاستراتيجية والحساسة في تجاذباتها الأهلية وامتداداتها القبائلية. فالفرضية إذا تحولت إلى سياسة فإنها ستفتح الباب للعواصف الإقليمية بذريعة أن القضاء على الإرهاب بات يعادل القضاء على الدور الباكستاني في إنتاج العنف وإرساله عبر الحدود إلى أفغانستان والهند.

ما حصل في مومبي وما تبعه من إشارات وغمزات يستدعي التفكير ويطرح أسئلة بشأن تلك المنظمات المجهولة الهوية والعنوان (جماعة مجاهدي ديكان، أو مجاهدي الهند، أو عسكر طيبة، أو قوة الأمن الإسلامي، أو جيش محمد، أو حركة الطلبة الإسلاميين، وغيرها من أسماء تمتد من كشمير إلى ولاية أسام). فالغموض يتطلب قراءة تتجاوز تلك الخلاصات التبسيطية التي توصلت إليها إدارة بوش في السنة الأخيرة من عهدها وتحاول إقناع طاقم أوباما بأن مشكلة الإرهاب انتهت في مختلف الأمكنة تقريبا وتتركز الآن في باكستان وتحديدا في مناطق الحدود المجاورة لأفغانستان والهند.

خطورة مثل هذه القناعة الساذجة أنها تشكل خطوة حاسمة باتجاه توريط إدارة أوباما المقبلة في برنامج حربي مفتوح زمنيا ولا يقل دمارا عن ذاك الذي نفذه بوش في عهده. فاتهام باكستان يعني أنها تحولت إلى هدف دولي - إقليمي وأصبحت ساحة مفتوحة لتوجيه الرسائل والضربات في منطقة غنية بالقبائل والأقليات والمذاهب المنتشرة في الهضاب والوديان والعابرة للحدود والأوطان.

المسألة خطيرة في حال اتخذت واشنطن صفة الادعاء ضد إسلام آباد مستفيدة من حالات القلق والتوتر على الحدود مع الهند أو أفغانستان. وخطورة المسألة أنها ستنتهي إلى توسيع دائرة العنف وتعريض دولة باكستان إلى احتمال الانهيار والتفكك ما يفترض ترجيحات كثيرة منها على الأقل انتشار الإرهاب ونمو المزيد من المنظمات المجهولة الهوية والعنوان والغامضة الأهداف.

ما حصل في مومبي وقبلها في كراتشي وكابول وإسلام آباد وأحمد آباد ونيودلهي يعطي فكرة موجزة عن مخاطر كبيرة ستتدحرج إليها منطقة جنوب شرق آسيا في حال تم التعامل مع الملف الإرهابي بصفته مشكلة محصورة في دائرة صغيرة وتتحمل مسئوليتها جهة وحيدة. فهذه القراءة التبسيطية ساذجة في رؤية تعقيدات دائرة جغرافية تحتوي عشرات المشكلات المتنوعة في عناصرها القبلية والمذهبية والأقوامية القابلة للتفجير المحلي (الموضعي) والتمدد الإقليمي والانتشار الجغرافي.

اتهام الهند لدور باكستاني معين في هجمات مومبي وتوجيه الأصابع نحو مخابرات إسلام آباد والإشارات السيئة التي تصدر من واشنطن باتجاه بيشاور (عاصمة قبيلة البشتون) تقدم صورة سلبية عن تطورات لا تبشر بالخير سواء حصلت في الأيام الأخيرة من عهد بوش أو في الأيام الأولى من عهد أوباما

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2276 - الجمعة 28 نوفمبر 2008م الموافق 29 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً