تشهد البحرين منذ إنتخابات المجلس التشريعي الثاني التي جرت في العام 2006، تفاعلات سياسية يمكن اعتبارها امتدادا للمرحلة الأشمل التي ولجتها المملكة بعد حركة مشروع الإصلاح السياسي التي قادها جلالة الملك في مطلع هذا القرن، والتي جلبت معها مجموعة من المستجدات السياسية، كان من بين أهمها وأد «قانون أمن الدولة» سيء الصيت، وتوسيع هامش الحريات السياسية، وفتح المجال أمام الحراك السياسي الذي تحتاجه منظمات المجتمع المدني؛ كي تمارس بعضا من الدور الذي جردتها منه السياسات التي سبقت تدشين ذلك المشروع.
وفي خضم الأحداث التي واكبت تلك الحركة وتأثرت بتعرجاتها، تكرر ورود اسم غرفة تجارة وصناعة البحرين في أكثر من محفل سياسي. بعض منه (التكرر) تبلور في شكل دعوة ملحة تطالب الغرفة بممارسة دورها أو بالأحرى استعادة حقها الطبيعي والمشاركة في العملية السياسية، في حين جاء جزء منها في صيغة تساؤل عن الدور الذي تطمح، ويمكن أن تمارسه الغرفة بشكل مباشر أو من خلال رموز لها علاقة بها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم تخل بعض تلك الدعوات والصيغ من مسحة شابها التحدي والإستفزاز.
وبالقدر ذاته تفاوتت ردود الغرفة الرسمية وغير الرسمية من مجمل تلك الموقف، ففي بعض الحالات، ولأسباب، البعض منها مفهوم ومبرر، لاذت الغرفة بالصمت المشوب بشيء من تحاشي الرد المباشر والصريح، وفي حالات معينة، بادرت الغرفة، وفي نبرة صادقة، إلى التوضيح والتفسير، ولم تخل الردود من بعض المواقف العملية مثل تشكيل لجنة الشأن العام بقرار من مجلس إدارة الغرفة، كي تحدد الحيز الذي بوسع الغرفة أن تشغله في ساحة العمل السياسي. في كل تلك الردود حرصت الغرفة على ألا تغلب على مواقفها ردود الفعل الآنية المنفعلة التي يمكن أن تفقدها التوازن وتضعها على طريق محفوفة بالمجازفات أو المفاجأت.
محصلة ذلك الحوار الصريح أوالمبطن، الهادئ أو الثائر، كانت تيقن الجميع بأهمية دور الغرفة، وضرورة استجابتها لحاجة موضوعية تفرضها الظروف المستجدة حينها، بما فيها تلك السائدة اليوم، من جهة، وطبيعة القوى الضالعة في العمل السياسي، حكومة ومعارضة، من جهة ثانية. ولفهم هذا الدور، وتحديد معالمه، وسبر أغواره، ورؤية آفاقه، لابد من رسم صورة أولية عامة للغرفة ذاتها.
التاريخ الديمقراطي: من بين مؤسسات البحرين جميعها تقف الغرفة كأعرق بيت يؤرخ للديمقراطية البحرينية. فمنذ تأسيسها دأبت الغرفة على أن يتشكل مجلس إدارتها من خلال انتخابات عامة مفتوحة تتم وفق أكثر قوانين الديمقراطية شفافية. ونحن هنا اليوم نؤرخ لظاهرة عرفتها البحرين في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي. وإن كان لنا أن نستخلص شيئا من تلك الممارسة، فهو أن المجتمع التجاري البحريني كان رياديا على المستوى الديمقراطي ليس على نطاق البحرين فحسب، وإنما على المستوى الخليجي أيضا. فانتخابات الغرفة، تبقى، على رغم نسبية تلك الديمقراطية وهامشيتها، شكلا من أشكال نسمات الحرية التي تهب على المواطن البحريني في أصيافه السياسية الحارقة.
الإستمرارية: هنا أيضا، ومن بين جميع مؤسسات المجتمع المدني، نجحت الغرفة ولأسباب مختلفة ومتعددة ليس هنا مجال حصرها أو الخوض في تفاصيلها، في أن تحافظ على استمرارية حضورها في الحياة السياسية من دون أي انقطاع حتى في المراحل الحالكة من تاريخ البحرين السياسي. هذه الإستمرارية تكتسب أهمية متزايدة عندما ينظر إليها في إطار الإنقطاعات المتكررة التي عانت منها مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، ولأسباب خارجة عن إرادتها؛ الأمر الذي وفر للغرفة القدرة على مراكمة الخبرات واختزان التجارب التي بالوسع الإستفادة منها في مراحل الإنفراج السياسي، بغض النظر عن سعة هوامش الحريات التي يتيحها ذلك الإنفراج، المشابهة للمرحلة التي يمر بها المجتمع البحريني حاليا.
الحرص على الشمولية: فمن يراجع أسماء أعضاء مجالس الإدارة، التي كان يتم انتخباهم كل أربع سنوات، سيكتشف تمثيلا دقيقا، لاينبغي الإغراق في الإسقاطات غير المبررة ونفي احتمال العفوية، لألوان الطيف السياسي كافة، في إطاره البسيط المتوافق مع تطور المجتمع حينها، بما في ذلك مراعاة القضايا الطائفية والإثنية والدينية.
تطور الوعي السياسي: سعت الغرفة، كمؤسسة أو كأفراد ينتمون إلى مجتمع الأعمال، على أن تكون أحد عوامل المعادلة السياسية في البحرين. تفاوت ثقل وأهمية هذا العامل من مرحلة إلى أخرى وفقا للظروف السائدة في كل مرحلة منها، وطبيعة القوانين المطبقة خلالها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2275 - الخميس 27 نوفمبر 2008م الموافق 28 ذي القعدة 1429هـ