بعد عقود من الإقصاء والتهميش والمقاطعة تصبح «الوفاق» اليوم هي اللاعب الأول في البرلمان البحريني والمحرك الأساسي للمشهد السياسي وتداعياته، هي مدعوة اليوم بشكل خاص لخوض المضمار بفن ومهارة، وما يطرح اليوم هو الفاصل بين ما نريده وما نتمناه وبين ما نستطيع تحقيقه وما يراد لنا فيه، لكن لايزال الحديث باكرا عن النهاية.
عملت «الوفاق» خلال دور الانعقاد الأول الذي لم يتجاوز خمسة شهور، ففي الجانب الرقابي طرحت فيه 66 سؤالا نيابيا عن التجنيس والتمييز وحماية المال العام، كما تقدمت بلجنتي تحقيق في الصحة وملكية فشتي الجارم والعظم، أما في الجانب التشريعي فقد تقدمت الكتلة بـ 11مقترحا بقانون، كان من أبرزها قانون البلديات، واستملاك الأراضي للمنفعة العامة، وحماية السواحل، كما تقدمت بـ 43 مقترح قانون برغبة شملت توظيف العاطلين الجامعيين، ومكافأة 100 دينار لكل طالب، وزيادة العلاوات الاجتماعية بنسبة 100 في المئة، وبناء عدد من المدارس والنوادي والمراكز الرياضية والشبابية، لكن «الوفاق» لم توفق في الدور الأول في طرح التعديلات الدستورية، إذ إن التعديل الذي طالبت به في 3 مواد متعلقة بالموازنة وصياغة القوانين لم يرفع إلى الحكومة لعدم اكتمال النصاب القانوني في جلسة النواب في آخر جلسات دور الانعقاد الأول.
وقد زاد حمى الوفاق في الدور الثاني إذ ضاعفت من دورها الرقابي، فوجهت 100 سؤال برلماني، وتقدمت بأربع لجان تحقيق، هي: مرافق الكهرباء، أملاك الدولة، الدفان، قناة مهزة البحرية، أما لجنة التحقيق الخامسة والتي تقدمت بها «الوفاق» وأجهضت مرتين فهي لجنة تحقيق في تكافؤ الفرص، كما تقدمت باستجوابين لوزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد عطية الله آل خليفة، إضافة إلى أنها تقدمت بطلب جلسات استثنائية لمناقشة الأزمة الإسكانية وأزمة الغلاء.
أما البعد التشريعي فقد تقدمت الكتلة فيه بثلاثين مقترحا بقانون في أمور مختلفة وخاصة ما يتعلق منها بمبدأ تكافؤ الفرص ودعم الأسر محدودة الدخل، وتعديل قانون الخدمة المدنية والسلطة القضائية، أما المقترحات برغبة التي تقدمت بها الكتلة الوفاقية والتي ناهزت السبعين فقد تناولت الدعم المالي للراغبين في الزواج والإفراج عن المعتقلين الثمانية في السعودية، ومعالجة مشكلة الغلاء والمشكلة الإسكانية إضافة إلى طلب إنشاء مدارس ونواد ومراكز صحية.
«الوفاق» لم تستطع إلى حد الآن كسر حاجز التعديلات الدستورية على رغم حصول توافق بينها وبين بقية الكتل على تعديل ثماني من مواد الدستور، لكن الاستجوابين الأخيرين عطلا إقرار هذه التعديلات، ما يجعل التعديل الدستوري رهن التغيير في المرحلة المقبلة وهل سيكون عصيّا على التحريك؟
هناك معوقات عدة لازمت العمل البرلماني لـ «الوفاق»، بعضها متعلق بطبيعة البرلمان وخصوصياته وما أفرزه من تركيبة أثرت على مسيرته بشكل أصبح وضعه كرحى يديرها قطبان لا ثالث لهما، وبعضها متعلق بطبيعة الكتلة الوفاقية وجماهيرها وثقلها التاريخي والسياسي. فالصلاحيات المعطاة للبرلمان هي صلاحيات روعي فيها أوليات الحكومة ومشاريعها، فمناقشة أو تعديل المراسيم ممنوعة، والمقترحات برغبة غير ملزمة، ناهيك عن أن اللائحة الداخلية أعطت صلاحية كبيرة للحكومة في تعطيل المشاريع في ضوء حجب المعلومات وتلكؤ الوزراء وغيابهم المتكرر عن الجلسات، إضافة إلى قلة التمثيل الوفاقي في هيئة المكتب مع عدم تناغمها مع الأمانة العامة وتركيبة هيئة المستشارين القانونية التي جاء تركيبها النهائي ليعصف بريحه على ما تبقى من هيبة المجلس.
«الوفاق» لا تعمل في أريحية تامة داخل المجلس إذ يوجد من يعمل لها بالمرصاد، كما ان الثقة بينها وبين الكتل باتت مهزوزة يدفعها ذلك للتصادم معهم في غالبية الظروف، كما انه لا احد ينكر أن هناك ظروفا خاصة بـ «الوفاق» مرتبطة بالحمل التاريخي من جهة والعبء الجماهيري من جهة أخرى إذ إن الحجم الكبير لدوائر نواب «الوفاق» المثقلة بالفقر والبطالة والتمييز أعطى ضغطا شعبيّا أربك «الوفاق» في أكثر من ملف وحرفها عن عملها في أكثر من زاوية في بعض الأحيان.
«الوفاق» معارضة وما يحدث من مخاض سياسي داخل قبة البرلمان ليس بعيدا عن توقعاتها، هي اليوم تمتلك أكثر من خطابها لكي تعبِّر به، ذلك الخطاب الذي يطالب بتصحيح الأداء السياسي، حتى لا يتحول الحكم الديمقراطي إلى مجلس قيادة، لقد ظهر جليّا للعيان أن هذا الخطاب أصبح وحده لا يكفي هنا، فالتاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، و»الوفاق» لن تقدم شيئا ما لم تكن قوية ومستقرة وعلى درجة من الثبات السياسي فلا تحقيق للعدالة بغير قوة وطرح أرقام وبدائل قابلة للحسم ووطنية بالدرجة الأولى، وهنا يكمن التعامل مع القضايا التي تثار هنا وهناك بغية انحراف المؤشرات والتصيد في أكثر من اتجاه، الرهان القادم لها هو الموازنة وممتلكات الدولة تلك هي قضية الجميع ومن أجلها تكون كل الاحتمالات مفتوحة، فلا تنسجي يا «وفاق» بيديك حبلا يكتفك
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2270 - السبت 22 نوفمبر 2008م الموافق 23 ذي القعدة 1429هـ