بعد أن سقطت بغداد بكل إرثها وتاريخها الاسلامي في ايدي الصهاينة، فمن حق كل انسان ان يسأل عمن كان سبب هذه الكارثة التي تدمي لها قلوبنا، أهو صدام حسين وعداؤه المستحكم مع جيرانه؟، أم هو ضعف وعدم فاعلية الجامعة العربية أم نتاج الاتفاقات الأمنية التي كبلت التحرك الاسلامي العربي لدرء الخطر أم انها كما تدعي اميركا الخارجة على الشرعية الدولية مطلب اساسي من مطالب العولمة لنشر الديمقراطية في العالم ابتداء من عالمنا الاسلامي افغانستان والعراق ثم سورية والسعودية... الخ. هل يمكن ان تكون فعلا هي الديمقراطية الحقة التي جاءت من أجلها جحافل جيوش الاميركان أم انه الوجه الديكتاتوري للديمقراطية الغربية.
ثمة أسئلة كثيرة وكبيرة إلا ان السؤال الذي ينتظر جوابا هو هل من الممكن فرض الديمقراطية؟ واذا افترضنا جدلا ان ذلك ممكنا، فمن سيراقبها اذا لم تكن نابعة عن قناعة وإدراك من نفس على درجة من الوعي والعلم ومعتمرة بحب الله كي لا تعتريها نزعة الشر الكامنة داخل كيان كل انسان؟
الديمقراطية هي نمط من أنماط الممارسات السياسية الدقيقة التوازن في إدارة شئون الناس، وحينما ولد هذا المسمى وضع له تعريفا واضحا يكاد يصل الى حد الكمال في العدل والمساواة بين بني البشر على اختلاف دينهم ولونهم وعرقهم أو مركزهم الاجتماعي.
لذلك كسب هذا التعريف شوق واحترام الناس له فدخل قلوبهم وهيمن على أفكارهم وأصبح هواءهم الذي يتنفسونه صباحا ومساء. وفي فضاء تلك الاحلام الواسعة نسي الناس انهم بشر ولهم طبائع جبلوا عليها، ومواصفات خاصة وضعها لهم خالقهم وافرد لها تعريفا بأنه لكل فرد منهم نفس أمارة بالسوء تحب الشهوات وتفضل المال والقناطير المقنطرة على العيال ولا يصدها عن ذلك سوى قوة ايمانها بخالقها او دفع الناس بعضهم بعضا، اذ يتناسب ذلك تناسبا عكسيا مع ضعف الايمان. و«ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى» وهذه هي أحد خصائص الانسان الخارجة عن قواعد الايمان بما انزل الله وملائكته ورسله كما هو الحال مع الصهيونية العالمية التي مارست ابشع الاذلال بالفلسطينيين.
نعم، ان الانسان يطغى في حالتين، الحالة الأولى ان هو استغنى اذ يشعر انه ليس بحاجة لأحد وباستطاعته ان ينال كل ما يريد عن طريق ما يملكه من مال، ويخيل له لأن رد الى ربه لا يجد احسن ما عنده منقلبا. وينسى ان الله هو الرزاق، فيكفر ويفجر حتى تفاجئه المنية. والثانية ان هو ملك القوة والسيطرة واستغلها بالقمع والارهاب لديمومة حكم العباد تحت شعار «الهواجس الأمنية».
والأمثلة على تلك الشواهد كثيرة ذكر القرآن بعضها مثل قارون وفرعون وذكر التاريخ البعض الآخر مثل هتلر وموسليني.
وما يهمنا هنا هو ما آل إليه حالنا في القرن السابق والقرن الحالي. ففي القرن السابق جرينا وراء الشعارات وكانت بحق شعارات عربية صادقة نابعة من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه مثل جمال عبدالناصر وفيصل بن عبدالعزيز رحمهما الله. فإن الشر الذي كان منتشرا كالفطر بمسرح الأمة العربية قد غيبها فانتصر الشر المدعوم من قوى الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية في ذلك الحين على الخير ما حدا بالآخرين ان يتعلقوا بأي منقذ مهما كانت مواصفاته لدرء الخطر البريطاني الفرنسي الاميركي آنذاك.
وبانهيار مظلة الاتحاد السوفياتي انهار خيار المواجهة العربية وهرولت كثير من الدول لمشروع السلام مع «اسرائيل» لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وبعد حين اكتشف العالم الاسلامي والعربي ان ذلك السلام لم يكن سوى كلام «فاضي» وحبر على ورق صاغته أميركا ووقعه العرب وعلى اثر ذلك تهاوت شعبية كثير من رؤساء الدول العربية التي وقعت على اتفاق السلام مع «اسرائيل» او على الاتفاقات الأمنية مع الولايات المتحدة الاميركية فيما عدا النظام العراقي الذي وقف وحيدا في ساحة المواجهة بفضل ما كان يتمتع به من صناعات في المجال العسكري فصعد نجم القيادة العراقية وأصبحت هي قبلة الثائرين على الانكسار الاسلامي والعربي حتى جاءت لحظة دخول جمهورية العراق في حربها مع الجمهورية الاسلامية الايرانية. وهنا بدأ مشوار الضياع للحلم الاسلامي في استرجاع الحق الفلسطيني، اذ وجدت الصهيونية العالمية ضالتها في تلك الحرب فعملت على إسعارها الى ان دمرت كل الآمال الاسلامية وعطلت كل مشروع وأوهنت كل دولة كما افسحت المجال واسعا لدولة «اسرائيل» في ترتيب أوضاعها الامنية والاقتصادية. كما شكل اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت بداية للانفضاض العربي من حول جمهورية العراق فلم تشفع له وقفته ضد الصهيونية العالمية في شيء الى ان اطيح بالنظام العراقي ومنجزاته التصنيعية والآمال العربية
العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ