العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ

مبحث معايير المسئولية الجنائية في الجريمة الصحافية

خليل عبدعلي خليل comments [at] alwasatnews.com

في ضوء التطورات الأخيرة المؤسفة التي تشهدها الساحة الصحافية من وأد وتضييق وخنق لحرية الكلمة والتعبير، إذ يجرَّ الصحافي إلى أروقة المحاكم اتهاما اياه زورا وكذبا بارتكابه جريمة صحافية، بدلا من معاقبة وتتبع أصحاب الجرائم المادية، كان لابد من معالجة هذا الموضوع في اطاره المعرفي الأكاديمي الذي يمنحه وهجا وأفقا ثقافيا يستند على العلم والمنطق، ويبتعد عن التخيل والتزييف. وقد قمت بعمل دراسة أكاديمية متواضعة أثناء دراستي الجامعية بعنوان: «معايير المسئولية الجنائية في جرائم الصحف، دراسة تحليلية في قانون المطبوعات والنشر البحريني مرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979» وقد خلصت إلى أن خللا معرفيا يصاحب قانون المطبوعات القديم امتدت آثاره السوداء إلى قانون المطبوعات الجديد، وجُلَّ الالتباس يقع في معايير المسئولية الجنائية في جرائم الصحف التي هي قابلة للتأويل والتفسير ولا ترتهن إلى مقياس علمي ثابت. وجدت أن معايير المسئولية الجنائية في جرائم الصحف بحاجة إلى إعادة نظر من حيث توسيع أفق القوانين التي تمنح وتعزز عمل الصحافي، وإزالة الغموض الذي يكتنف النص التشريعي في العموم وعدم التفسير والبيان لمفاهيم عامة حتى لا يقع الصحافي البحريني في متاهات ويتعرض لمساءلة قانونية وجرم قانوني لم يرتكبه.

وددت هنا استعراض الملامح الكبرى لهذه الدراسة التي بنيت على أساس أكاديمي وباستخدام المنهج التحليلي، وتقصد التعرف على معايير المسئولية الجنائية في جرائم الصحف في النصوص التشريعية المختلفة وربطها بواقعنا الصحافي في البحرين.

وتعتبر الصحافة إحدى وسائل التعبير الجماهيرية القادرة على ايصال وجهة نظر الشعب والحكومة بنقلها ونشرها الحوادث والأخبار والآراء التي تقع في المجتمع ومساهمتها في تشكيل الرأي العام، واقامة التوازن باعتبارها سلطة رابعة تراقب أداء وعمل السلطات الثلاث، وتعمل على عدم اصطدامها أو تجاوز احداها على الأخرى، وهي اليوم متطورة أداء وتشريعا بفضل الخطوات الأولى التي بدأها «يوحنا جوتنبرغ» حين اخترع آلة الطباعة حوالي العام 1436م، ومن ثم بدأ ظهور الصحف في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر في أوربا الغربية.

وحرية التعبير والصحافة احدى المرتكزات الأساسية التي لا غنى عنها لاقامة مجتمع عادل تؤدي فيه الصحافة واجباتها ومسئولياتها الاجتماعية تجاه المجتمع. والتشريعات والنظم الاعلامية التي تسيَّر عمل الصحافيين هي قلب العملية التي من شأنها أن يُحْفَظ النظام بها وتؤدي الصحافة رسالتها من دون عوائق أو جواجز، وفي حال قصورها أو عدم وضوحها أو التخاذل في تطبيقها تقع تجاوزات تؤثر على أداء عمل السلطة الرابعة، وحينها يغيب دور الصحافة الحقيقي في المجتمع، وتصبح وسيلة تابعة للسلطة التنفيذية.

ومعايير المسئولية الجنائية في الجريمة الصحافية هي المسئولية في اطارها الجنائي والتي يتحملها الصحافي جراء وقوع جريمة الكلمة، وتعرف الجريمة الصحافية بأنها «كل ما يقع من تجاوزات مخالفة لنصوص القانون ومتعلقة أساسا بجرائم الكلمة».

وتكون المسئولية الجنائية ذات ثقل وأهمية في تبيان ما يقع من جرائم صحافية، وان كثيرا من النصوص التشريعية في دول العالم النامي تمعن فيما يسمى بـ «الغموض الاجرامي» الذي يعيق فهم وتحديد الجرم الصحافي وقدر المسئولية الجنائية التي تقع على عاتق الصحافي، ويؤدي الاشتباه في مضامينها إلى وقوع الكثير من الاشكالات التي تفسد الأجواء الصحافية وتعطل أداء الصحافة رسالتها في المجتمع.

والحديث عن الجريمة الصحافية يستلزم معرفة أركانها وعناصرها الأساسية التي من خلالها يمكن اعتبار وقوع الجريمة الصحافية من عدمه، أو في حال الاشتباه أو ادعاء طرف على طرف آخر يتبين الفصل والحكم بمعرفة مقوماتها وحدودها التي تفصلها عن كونها جريمة أو حقا في التعبير تمارسه الصحيفة ضمن مهماتها اليومية. ويمكن تقسيم أركان الجريمة الصحافية إلى ثلاثة أقسام هي: العلانية، الركن المادي، والركن المعنوي.

والمقصود بالعلانية الجهر والاعلام أمام الناس والجمهور ووسيلتها القول أو الكتابة. وتعتبر العلانية جريمة في ذاتها وليست فعلا أو ركنا في جريمة، بمعنى أنه بمجرد العلانية في أمر ما تقع الجريمة بحسب نص المشرع. وهناك أمثلة تبين ذلك مثل نشر ما يجري في المداولات السرية في المحاكم أو الجلسات السرية لمجلس الشعب أو نشر المرافعات القضائية أو ما يجري في المحاكم بعد حظر نشرها وغيرها من الأمثلة التي تقع الجريمة الصحافية بها بمجرد العلانية عنها.

والعلانية بصفتها عقوبة تتمثل في حال التشهير بالجاني كعقوبة معنوية تعيب الجاني في كيانه وشرفه واعتباره. ويكون نشر وإعلان الأحكام في الصحف متصلا بما نصت عليه غالبية قوانين العقوبات بأن العلانية هي عقوبة معنوية. وفي الشريعة الإسلامية تعتبر العلانية شرطا للعقاب على الكثير من الجرائم التي لا عقاب لها إذا حدثت من دون علانية، ومن وسائل العلانية في الشريعة الإسلامية القول أو الإشارة أو الكتابة أو أي تصرف آخر يؤدي إلى ارتكاب الجريمة علانية. ولا تدخل علانية الفعل ضمن جرائم الصحافة وإنما العلانية التي وسيلتها القول أو الكتابة فقط.

أهم وسائل العلانية هي الكتابة وتشمل الرسم والصور الفوتغرافية والرموز إلى جانب القول والفعل. والكلمة هي كل ما دون بلغة وفكر مفهوم أيا كانت لغته أو الأداء الذي صبت فيه أو الطريقة التي تمت بها الكتابة مادامت تؤدي إلى معنى معين. والرسم هو تصور الأشياء والأشخاص بأية أداة وعلى أية مادة.

وهناك الكثير من الطرق التي تؤدي إلى حدوث العلانية مثل المحفل العام والطريق العام والمكان المطروق واستخدام اللاسلكي في الاذاعة والتلفزيون، والتوزيع الذي يتحقق باطلاع المكتوب والمنشور عددا من الناس بغير تمييز أي أن يتداول المكتوب أشخاص متعددون ويكونون على دراية بمضمونه، فيهم من لا تربطهم علاقة بصاحب المكتوب (أكثرهم). والعلانية هنا هي علانية الكتابة لا القول ومن ثم لا تتحقق إلا بعد الاطلاع على فحوى المنشور في الصحيفة.

ويشترط في علانية التوزيع تحقق شرط توزيع الكتابة المتضمنة لعبارات القذف والسب على عدد من الناس بغير تمييز، فلا يكفي مجرد طباعة الكتابة بقصد توزيعها فقط لتحقق أمر العلانية.

والركن المادي وهو أكثر ما يقع في جرائم الصحف والمقصود به (الفعل المادي الموصل إلى نتيجة إجرامية تربطه بها علاقة سببية). ويقتضي في ماديات الجرائم في القانون الجنائي الحديث ألا تنشئ مسئولية وألا تستوجب عقابا ما لم تتوافر إلى جانبها العناصر النفسية التي يتطلبها كيان الجريمة، وهي تعرف بالركن المعنوي للجريمة أو ما يسمى بالقصد الجنائي. وهي ترتكز على عنصرين أساسيين لتحققها هما الإرادة والعلم.

المسئولية الجنائية في القذف والسب والإهانة والتحريض لا تختلف عنها في القواعد العامة للمسئولية الجنائية، وإنما تختلف أحكامها فيما يتعلق بجرائم الصحــــف، إذ تتــسع دائــــرة المسئـــولية الجـــنائية، وهي من أصعب المسئوليات الجنائية كونها مرتبطة بمعرفة مؤلف الكلمات أو الرسوم أو الرموز، كما قد يدلي الصحافي بمعلومات أو بيانات أو أخبار ويحتفظ لنفسه بمصدرها وهو ما يعرف بـ (سرية النشر)

العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً