العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ

تفعيل الاتفاقية البحرينية - التونسية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تم يوم الخميس الموافق 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، توقيع اتفاقية للتعاون والتنسيق بين غرفتي تجارة وصناعة البحرين وتونس تقضي بتنمية علاقات التعاون والروابط بين قطاعات التجارة والصناعة والأعمال في البلدين، التي اعتبرها - أي الاتفاقية - رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين عصام فخرو «بداية انطلاقة لتعاون مثمر وبناء بين القطاع الخاص في البلدين»، وبأنها «ستعمل على تشجيع المشاريع المشتركة وتبادل السلع والخدمات والبحوث والإحصاءات المتعلقة بالشئون الاقتصادية والتجارية».

لا يمكننا إلا أن نشيد بمثل هذه الخطوات التعاونية التي من شأنها تعزيز علاقات التعاون بين بلدين عربيين شقيقين، في قارتين مختلفتين هما آسيا وإفريقيا. ورغم ما ورد في البيان الصحافي من تحديد للقطاعات التي يمكن أن تشملها الاتفاقية، لكننا إن أردنا انتقال ما جاء فيها من الورق التي دونت عليه إلى برامج تعاون تنموية يعود خيرها على البلدين، فلابد من نقلها من إطار العموميات النظرية المجردة، إلى حيز المشاريع العملية القابلة للتطبيق والنمو.

وأولى الخطوات على هذا الطريق البحث عن العوامل المشتركة بين البلدين التي يمكن أن تسرع من عمليات التقارب والتعاون، وهي كثيرة بين البحرين وتونس.

أول هذه العوامل هو صغر مساحة البلدين وتواضع دخلهما القومي مقارنة بدول المحيط. فالبحرين من أصغر دول مجلس التعاون من حيث الدخل القومي، مقارنة بالسعودية وقطر والكويت، وحتى إيران، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تونس حينما تقارن بدول مثل الجزائر والمغرب، بل وحتى ليبيا. يلي ذلك الانفتاح السياسي - الاجتماعي، والذي يعتبر متقدما نسبيا لدى الدولتين، مقارنة بالمحيط الإقليمي الذي تعيشان في وسطه. ننتقل من ذلك إلى مصادر الدخل، كي نجد أن البلدين يبحثان عن قنوات قادرة على جذب الرساميل الأجنبية للاستثمار فيها وتنويعها.

في نطاق هذا التشابه، ما الذي بوسع كل من البلدين أن يقدمه للآخر؟

أول تلك الأمور هو العلاقات الثنائية السياسية لكل منهما، فلتونس علاقات تاريخية أوروبية مميزة طورتها إطلالة تونس على البحر الأبيض المتوسط واهتمام أوروبا بهذه البحيرة على المستويين السياسي - الحضاري، والاقتصادي - التجاري. كما تتميز تونس بعلاقات متطورة مع الشق الناطق بالفرنسية في تلك القارة وعلى وجه الخصوص مع دول مثل فرنسا وسويسرا، بالإضافة إلى تلك الناطقة بالإيطالية والإسبانية.

مقابل ذلك تمتلك البحرين أكثر من الدول المحيطة بها علاقات مميزة مع الدول الأنجلو - ساكسونية في القارتين الأميركية والأوروبية، تترجمها العلاقات الثنائية مع بريطانيا والولايات المتحدة على المستويين أيضا السياسي - الحضاري، والاقتصادي التجاري. تزداد أهمية هذه القناة حينما يتم دمجها بالعلاقات المميزة للبحرين مع محيطها الخليجي وإطارها الإسلامي.

يمكن أن يترجم هذا التماثل الممزوج بالموقعين المتميزين لكل منهما إلى مشروعات اقتصادية قابلة للنمو والتطور من خلال تفعيلها في القطاعات الصناعية والتجارية التالية:

1. الصناعة الثقافية: ونحن هنا نتحدث عن مشروعات ثقافية صناعية محددة، نبدؤها بصناعة نقل التراث الثقافي ذي الخلفية الحضارية الفرنسية من تونس إلى الخليج عبر البوابة البحرينية. هذا يشمل ترجمة أعمال ثقافية لها قاعدة صناعية متينة من المدرسة الفرانكوفونية إلى المدرسة العربية. سوف يغطي ذلك النصوص المدونة، والأعمال المسرحية، والصناعات الحرفية. مقابل ذلك يمكن أن تصدر البحرين المكونات الصناعية الثقافية التي لم تغطيها المدرسة الفرانكوفونية.

2. الصناعة المالية - الاستثمارية: وهنا ينبغي أن نتجاوز الدائرة الضيقة التي تحاول أن تحصر الأموال الخليجية في الإنفاق على الترفيه السياحي الرخيص والمحدود، إلى الدائرة الأرحب التي تشجع تدفق الرساميل والمشروعات بين البلدين. هذا المدخل يجعلنا ننظر إلى تونس كنقطة انطلاق للرساميل الأوروبية الباحثة عن فرص استثمار عالمي كي تبدأ في تونس وتعرج على المنامة كي تحط رحالها في إحدى البلدان الخليجية، بل وربما لا تتوقف هنا بل تواصل رحلتها نحو الشرق الأدنى والهند. بالقدر ذاته، وبالذهنية ذاتها يمكن أن تكون البحرين نقطة الانطلاق للرساميل الخليجية، أو ما أصبح يعرف بالفوائض النفطية، كي تعرج هي الأخرى على تونس، وتواصل رحلتها الاستثمارية شمالا نحو الأسواق الأوروبية، وجنوبا نحو الأسواق الإفريقية، وغربا نحو الأميركتين.

3. صناعة الاتصالات والمعلومات: والتي تمتلك تونس أكثر من سواها من الدول العربية الشمال إفريقية خبرة في تطوير الكثير من البرمجيات والخدمات التي تعتمد على تقنيات الاتصالات والمعلومات أو تزودها بالقيمة المضافة التي تحتاج إليها. والحديث هنا لا يقف عند برنامج هنا أو خدمة هناك، بالقدر الذي يشخّص حالة صناعية متقدمة، تزداد أهميتها الاقتصادية عندما نضيف إليها مكونات التعريب. مقابل ذلك تسعى البحرين لأن تكون المحطة الأولى التي تستقبل الصناعات الوافدة بحثا عن فرص استثمارية أو أسواق مجدية خليجية كانت أم آسيوية.

تلك المجالات هي فيض من غيض، بحاجة إلى المزيد من التمحيص، كي تتحول، كما أشرنا، إلى برامج تعاون ملموسة قابلة للتطبيق بين البلدين. وأول من تقع عليه مسئولية ذلك القطاع الخاص في البلدين تقوده غرفتا الصناعة والتجارة فيهما اللتان نأمل ألا يفقدان الحماس من جهة ولا ينتظران مباركة دولتيهما من جهة ثانية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً