أذكر دوما في حديث والدي عن ذكريات أيام الدراسة مشهدا خاطفا لا تخلوا منه أي قصة أو موقف يستذكره للتندر أو للعبرة، وهو أن المدرس حينها كان شخصية مرعبة، يهرب منه الطالب حتى ولو كان ذلك خارج حدود المدرسة، مهرولا ولاعنا حضه الرديء الذي جعله يلتقي بالمدرس في تلك اللحظة، أو أن يتسمر في مكانه حتى يمر المدرس من أمامه، وفي ذهنه صور للعصي وهي تنهال على من يقف أمام أستاذه، كأسلوب تأديب رائج في حينه.
قد يكون والدي في حينها يحاول أن يزرع فكرة احترام المعلم في أذهاننا، علما أننا في حينها لم نكن أقل منهم بكثير في أسلوب تعاملنا مع المدرسين -اللهم بخلاف ما شد عن القاعدة- إلا أن ما كان يسود بيننا هو علاقة احترام وإخاء، عززه أسلوب الحياة الذي تغير، وتغيير نهج التعليم الذي منع ضرب الطلبة، إلى جانب بقية من الاحترام الذي خلقه فينا آباءنا؛ لذلك، فقد نشأت بيننا تلك العلاقة، التي جعلت فترات الدراسة سنينا ملؤها الذكريات الجميلة، والنجاحات المتواضعة على صعيد الدراسة أو العمل التطوعي، بتشارك العمل والعطاء بين المدرس والطالب.
اليوم، وبكل احترام وحب، فإن المدرسين الذين نلتقيهم بين صدفة وأخرى، تعود تلك التفاصيل في علاقتنا أثناء الدراسة للتدفق، فتدور بيننا الأحاديث الأخوية، التي تدل على صحة العلاقة التي كانت بيننا في حينها، فيما هم يشتكون التغير الذي حصل في الجيل الجديد وحتى أولياء أمورهم، فلا الطالب عاد يحترم مدرسه، ولا المدرس بيده أسلوب ردع لهذا الطالب، بل وهناك تدخل من أولياء الأمور الذين ينتصرون لأبنائهم في أي موقف، حتى ولو كان فيه الطالب مخطئا.
وبعكس الكلمة الشائعة التي تقول أن «كل أمة تأتي كانت تلعن التي هي قبلها»، فإن أحوال المدرسين الأحبة ممن استمروا في تأدية رسالتهم، فإنهم الآن أمام تحدٍ لنوع جديد من الطلبة الذين حتى لو كنت مدرسا عليهم، فلن أجد ما أفعله إزاء ما نسمعه عنهم من أخبار، فدمتم يا من كدتم تكونون رُسُلا بخير وعافية على صبركم وتحملكم مسؤولية التربية والتعليم.
إقرأ أيضا لـ "علي نجيب"العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ