العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ

فزعة النواب الجماعية ضد الحكومة

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

حلمنا ومازلنا ننتظر حلمنا أن يكون حقيقة، ولطالما كانت أحلامنا في طريقها إلى التحقق، ولكن التدخلات الرسمية في الغالب كانت تحول دون تحقيقها، اليوم الحلم أصبح حقيقة ولأول مرة يصبح هناك توافق بين الكتل النيابية (الوفاق، الأصالة، المنبر، المستقبل، وحتى النواب المستقلين) على موقف موحد وقوي وصامد ضد طوفان الحكومة، وضد توجهاتها الخانقة المكبلة والتي تعمل ليل نهار على إعاقة العمل النيابي وإفشاله وإفراغه من محتواه وقيمته، مستعينة بالدرجة الأساس بالنواب أنفسهم، والنواب سامحهم الله وهداهم دائما الثقة عالية بالحكومة ويضعون أيديهم في يدها، في كل تحرك تقوده، على أمل تحقيق الوعود الأخرى، ولكنها وكعادتها تضع النواب في زاوية حرجة مع منتخبيهم ولا تفي بالوعود.

الحكومة اليوم ومن خلال قرارها الأخير الذي منعت فيه حضور الوزراء في جلسات النواب للرد على استفسارات النواب المتعلقة بالأسئلة المطروحة، تحجّم من جديد أدوار المجلس التشريعي وتقلل من فائدة الأدوات الدستورية وقيمتها، وتصفع المجلس النيابي صفعة كبيرة على خده الأيمن، فلا للأسئلة أية قيمة بعد اليوم وخصوصا أننا نعلم ويعلم الجميع بأن الأسئلة التي تطرح على النواب في الغالب تشكل لها اللجان الخاصة والمتخصصة في الإجابة عليها بدلا من الوزراء الموجهة إليهم الأسئلة، اللجان في الغالب تناقش الردود وأفضلها وتكتب وتصاغ بصياغات فضفاضة بحيث تلف وتدور حول السؤال نفسه، ومن هنا تأتي أهمية وجود الوزراء في جلسات النواب لمناقشة الاستفسارات المطروحة أمام الوزير، وفي هذه المحطة تحديدا يتضح الوزير القدير ومدى قوته وقدرته على إدارة شئون وزارته من عدمه، على رغم المساعدات الطائلة التي تلقاها، إلا أن حالات الإرباك والارتباك وعدم توفر الإجابات المقنعة، يجعل النواب أنفسهم يوجهون إلى الوزراء الملاحظات والتعليقات التي قد تعد جارحة وغير ملائمة بحسب تقدير الحكومة، الحكومة في دفاعها المستميت عن قرارها اليوم تمنع الوزراء من الحضور في جلسات المجلس النيابي لمواجهة النواب الموجهين الأسئلة لهم، قمة التجاهل وقمة الخروج عن اللوائح الداخلية التي تنظم عمل المجلس وخرقا للتوجهات العامة التي تؤكد على أهمية التعاون والتنسيق بين السلطات.

الحكومة اليوم ومن خلال قرارها الجريء المفاجئ وغير المسبوق والتي كانت تمهد له طوال الفترة السابقة وبدأت به تدريجيا خلال الدور التشريعي الثالث عندما بدأت تبعث الوكلاء والمديرين إلى الجلسات النيابية، تسن سنّة غير حميدة، ويعد ذلك تراجعا كبيرا لإدارة العلاقة بين السلطات، وخللا كبيرا على مستوى التنسيق.

ما تدعيه الحكومة اليوم من خلال قرارها بحجة تفرغ الوزراء إلى إدارة شئون الوزارة وأن الحضور في الجلسة وما قبلها يعطل عمل الوزير ويؤثر على أدائه كلام غير دقيق، منذ متى والوزارة يتعطل عملها بمجرد أن يكون الوزير خارج وزارته لمدة 4 أو 5 ساعات؟

إذا كان الأمر صحيحا ودقيقا فتلك مصيبة، إذ إن ذلك يؤكد أن هناك مشكلة إدارية كبيرة ومركزية في القرارات وبيروقراطية تحتاج إلى معالجات ووقفات كبيرة للتحليل، على رغم أنني لا أعتقد بأن ذلك بالفعل موجود بل أن هناك وزارات تدار من قبل وكلاء ووكلاء مساعدون وهناك وزارات تدار أصلا من قبل مديرين وأن الوزير دوره ينحصر في التوقيع على القرارات المهمة وليس جزءا من القرار ومن صناعته، وفي بعض الوزارات يقع اللوم كل اللوم على الوزير في الكثير من القضايا التي تمثل انزعاجا كبيرا للرأي العام ودور الوزير مغيب في الموضوع ولا ذنب له، وأحيانا يكون في وجه المدفع.

الحكومة اليوم تدافع بدرجة عالية جدا وبشكل غير مشهود عن وزرائها وعن أخطائهم، وترتب إليهم الأوضاع حتى لا تضعهم في حرج ولا تضعهم حتى في وضع مساءلة، وتبعدهم عن مشاهد الانزعاج وكأن الوزراء ملائكة لا يخطأون ولا يسيئون التقدير وليسوا في موضع مساءلة.

القضية صارت خيوطها مشربكة ولا يمكن متابعتها، فهناك وزارة معمرون في وزاراتهم ومهما طال الوزارة والوزير من انتقادات أو ملاحظات في الصميم حتى لو اتهموا بفساد وبأدوار طائفية بغيضة تضر اللحمة الوطنية يبقون في مناصبهم ويدافع عنهم وتُلمع مواقفهم بل وينتقلون من موقع إلى موقع آخر جدير بالثقة ويا جبل ما يهزك ريح، وهناك وزراء وضعهم مختل وفي أي وقت يمكن أن يغادروا مواقعهم مع أية هزة بسيطة، من هنا نؤكد على ضرورة الاختيار السليم من البداية بعيدا عن المزايدات بعيدا عن المجاملات، وبعد الاختيار لابد من تعريض الوزير إلى المساءلة من قبل المجلس التشريعي المعني بذلك لا حمايتهم وإعفائهم من القيام بذلك.

توافق النواب اليوم على موقفهم من الحكومة غير الداعم، والمعنون بعدم تعاونها مع المجلس التشريعي، وهيمنتها على المجلس وتقييدها إليه وتجاهلها للنواب، يعني بداية الصحوة، فزعة النواب اليوم على هذا القرار يعني انتصار المجلس لنفسه، ولكن نأمل أن يكون هناك استمرارية في الصمود استمرارية في مقاومة قرارات الحكومة المكبلة للمجلس ولأدواره الحقيقية واستمرارية في التعاطي الإيجابي والتنسيق بين الكتل لتحقيق الأهداف المرجوة بدلا عن الانتصار للحكومة ولمخططاتها.

نأمل أن تكون التجربة درسا مفيدا للنواب الموالين الذين لم يكونوا مقتنعين بأن مواقفهم الإيجابية تجاه الحكومة في الكثير من المفاصل والمحطات كانت موالاة لا معنى لها، لأن الحكومة لا تستحق منهم أن يعطلوا أدوارهم الجوهرية ليقفوا حولها مساندين لها.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً