تقع إيران حاليا في قلب الحدث السياسي بسبب برنامجها النووي. وعلى رغم الاضطراب السياسي الناجم عن أزمة الملف النووي الإيراني يجب أن لا ننسى المحنة الاقتصادية الحقيقية التي يعيشها المجتمع الإيراني. فإذا سلطنا الضوء على المعطيات الكَمية للاقتصاد الإيراني نصل إلى خلاصة مفادها أن 85 في المئة من البنية الإنتاجية الإيرانية مملوكة من قبل النظام الحاكم. وعلى غرار الاقتصاديات الموجهة، فالقرارات لا تصدر من دون موافقة «السلطات المعنية» الشيء الذي يضعف الحريات الاقتصادية ويشجع اقتصاد الريع.

في إيران، قام النظام الحاكم القائم على ولاية الفقيه بتفويض إدارة شئون البلاد الاقتصادية للحرس الثوري (الباسداران) مقابل توفير الحماية للنظام. ما أدى إلى سيطرة الباسداران بقيادة الجنرال سفافي على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني وما نتج عنه من تضييق على حرية ممارسة التجارة وعرقل نمو وتطور البلاد بشكل واضح.

تعتبر تركيبة نظام الحكم في إيران تركيبة معقدة. إذ إن الجمهورية الإيرانية الإسلامية تقوم، كما ينص الدستور الذي وضع بعد الثورة الإسلامية العام 1979 وعدل العام 1989 بعد وفاة أية الله الخميني، تقوم على ركيزتين أساسيتين: الإسلام من جهة والنظام الجمهوري من جهة أخرى. فشرعية السلطة مزدوجة وهي تُستمد من الإرادة الإلهية (مادة 2) من جهة ومن إرادة الشعب (مادة 1 ومادة 6) من جهة أخرى.

كما أن الدستور يولي أيضا أهمية خاصة لمؤسسة ولاية الفقيه. فالمرشد الأعلى للثورة يعتبر العمود الفقري للنظام الإيراني. فهو يشرف على السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويحافظ على حسن سير المؤسسات، ويضع الخطوط العريضة لتوجهات البلاد السياسية والاقتصادية والأخلاقية. وتوزيع الريع من قبل الدولة والذي يشكل أداة لدعم الاقتصاد الفارسي، لا يستفيد منه إلا الأشخاص الذين يؤمنون بمبادئ الثورة. ويعتبر جهاز الحرس الثوري الإيراني، الباسداران، الذي أسسه الإمام الخميني في بداية الثورة في إيران، من أقرب الأجهزة من المرشد الأعلى للثورة. فحتى نهاية الحرب ضد العراق كان الباسداران يُعتبر جيش تحرير. بعد ذلك قاموا بتنظيم أنفسهم وأصبحوا تنظيما عسكريا واستخباراتيا حقيقيا، لا يتوانى عن التدخل في الشئون المدنية، كالتصنت على المكالمات الهاتفية والتجسس على المعارضة الموالية للغرب، وذلك من أجل حماية مبادئ الثورة. وبعد دلك تحول نحو اثني عشر ألفا من عناصر الباسداران إلى التجارة مستفيدين من السلطة المطلقة التي يتمتعون بها. فالرئيس الإيراني الحالي، أحمدي نجاد، وعدد من وزرائه ينتمون إلى الباسداران. ومن البديهي أن يصبح من السهل حصول التجار المنتمين إلى الباسداران، على مشروعات الدولة الكبيرة كمشروع تطوير حقل بارس الجنوبي للغاز المقدر بـ 1.56 مليار يورو (نحو 2.10 مليار دولار).إن الاقتصاد الإيراني الحالي يعيش على الإعانات المالية الضخمة التي يقدمها النظام الحاكم. فرجل الأعمال الذي ينجح في إيران هو الذي يتلقى دعم الدولة. نحن أمام نظام مبني على الفساد، والبحث عن المكاسب المالية. اقتصاد غير قابل للتطور في ظل هذه الظروف. فكل مجموعة ضغط، حول الباسداران دعمهم للثورة إلى امتيازات. إذ عُهد إليهم الأمن الداخلي والخارجي وجميع الصناعات العسكرية والنفطية والزراعية فأصبحوا يسيطرون على الاقتصاد من دون أي منافس. وشكل الباسداران في الكثير من القطاعات التي يسيطرون عليها اتحادات احتكارية، فأصبحوا بذلك المُسيرين الجدد للاقتصاد الإيراني على حساب حرية ممارسة التجارة وديناميكية السوق. ويعتبر الاقتصاد الإيراني في الوقت الجاري فريسة للتخلف. فالناتج المحلي الإجمالي الإيراني يقارب الـ 196.3 مليار دولار. والدخل الوطني الإجمالي (بمقياس القوة الشرائية للعام 2005) وصل إلى 545 مليار دولار، أي ما يقارب الـ 8050 دولارا للفرد الواحد. أما بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية، فتحتل إيران المركز الـ 96 بين دول العام بمعدل 0.746. كما أن التضخم الذي تصل نسبته إلى 15في المئة سنويا يعرقل بدوره مشروعات الفاعلين الاقتصاديين. يضاف إلى ذلك نسبة بطالة مرتفعة تطال 20 مليون نسمة من سكان إيران الذين يصل عددهم إلى 70 مليون نسمة. كما أن سوق العمل حاليا مشبع ولا يمكنه أن يحتوي الـ 800.000 شابا الوافدين إليه سنويا. يعتمد الاقتصاد الإيراني بشكل أساسي على الصادرات النفطية. فالذهب الأسود يشكل 85 في المئة من إجمالي الصادرات.

صحيح أن العائدات النفطية ارتفعت من 32 مليار سنة 2004 إلى الـ 50 مليار سنة 2006. إلا أن غياب التنوع في نشاطات التصدير يضر بالاقتصاد لأنه يقوم على التخصص في قطاعات أولية غير متطورة وغير قادرة على مواجهة المنافسة. كما أن الضعف التكنولوجي للاقتصاد الإيراني يفرض عليه التموين من الخارج وخصوصا أن ذوي الكفاءات يهاجرون إلى الغرب ما يزيد من حدة ظاهرة ضعف التنوع الاقتصادي.إن الاقتصاد الفارسي يعيش حالة من الازدواجية لأن الاقتصاد المقنن يصطدم مع اقتصاد السوق السوداء الذي يتمثل بالتجار الصغار الأحرار. فالسوق السوداء أو الاقتصاد الموازي يشكل ما بين 20 في المئة و30 في المئة من الاقتصاد الحقيقي في إيران.

هذه الازدواجية تعكس الشغف بالتجارة المعروف عند الإيرانيين. شغف يتم إضعافه وإهماله من قبل الباسداران، الساعد السياسي والاقتصادي للمرشد الأعلى وأصحاب القرار الجدد في إدارة الاقتصاد الإيراني.

*باحث في مركز الدراسات الاقتصادية في جامعة بول سيزان

في مرسيليا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع مصباح الحرية».

www.misbahalhurriyya.org