العدد 2267 - الأربعاء 19 نوفمبر 2008م الموافق 20 ذي القعدة 1429هـ

قمع الصحافة الناطقة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ثلاث وقائع دراماتيكية تتعلق بالصحافة شهدها العالم العربي خلال أسبوع واحد، أولها في المغرب على طرف الأطلسي، وآخرها على طرف المحيط الهندي في الإمارات!

كل هذه الوقائع الدراماتيكية تدل على أن هذه البقعة من العالم لا تتحمّل حرية النشر والتعبير، دون بقاع الأرض. والحرية التي يتم الرهان عليها للنهوض من هذا الواقع المتخلّف، تبدو حلما بعيد المنال. وربما لا يمر طويلُ وقتٍ حتى نشهد ردة عامة لتقليص هذا الهامش الصغير من الحرية في العالم العربي، «الذي لا يكفي لعصفور واحد» بتعبير نزار قباني!

في المغرب، صدر حكمٌ ضد صحيفة «المساء» الواسعة الانتشار، بتغريمها 6 ملايين و120 ألف درهم لخزينة الدولة، وهو ما اعتبرته الصحيفة «رسالة واضحة لجميع الصحف المستقلة»، بينما عبرت بقية الصحف عن قلقها من الحكم. والقضية تعود إلى تقارير نشرتها الصحيفة في 2007، عن حفل زفافٍ عقده شواذ جنسيون. وقالت إن لديها لائحة أعضاء في شبكة للشاذين، من ضمنها مدعٍ عام بالمحكمة لم تذكر اسمه.

صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» أعلنت تضامنها «مع المساء وضد حكم الإعدام»، رغم اختلافاتها الكثيرة معها، وصحيفة «التجديد» الإسلامية اعتبرت الحكم «تصفية حسابات مع كل الصحافة». واعتبر رئيس اتحاد ناشري الصحف ومدير يومية «أوجوردوي لو ماروك» (المغرب اليوم) أن «الحكم يهدف إلى إفلاس الشركة وفصل موظفيها». أمّا «ليبراسيون» فتحدثت عن «قمع الصحف»، وأن «وقت التضامن قد حان لأن استقلال الصحافيين ومستقبل المهنة على المحك».

الحكم اعتمد على تهمة «السب والقذف العلني»، وهي التهمة نفسها التي وُجّهت ضد صحيفة «الإمارات اليوم» أمس وصدر الحكم بإيقافها عن الصدور 20 يوما، في قضية «قذف وتشهير»، رفعها محامو أحد «الاصطبلات» في يناير 2007. وكانت الصحيفة نشرت موضوعا على الصفحة الأولى في أكتوبر 2006 بعنوان «فضيحة منشطات عالمية لاسطبلات ورسان الإماراتية»، اتهمت فيها الملاّك باستعمال المنشطات لخيولها المشاركة في السباقات.

«الإمارات اليوم» صحيفةٌ شابةٌ، فرئيس تحريرها (سامي الريامي) حسب علمي لم يبلغ الأربعين، وقد صدرت قبل ثلاثة أعوام فقط، وسجّلت انتشارا واسعا بين الإماراتيين لقربها من قضاياهم، وابتعادها عن إبراز الأخبار الرسمية لصالح قضيةٍ رئيسيةٍ تختارها بشكل يومي للغلاف.

شاهدتها لأول مرةٍ قبل عامين أثناء زيارتي للإمارات، وهي في بداية انطلاقتها، ولاحظتُ القفزة التي حقّقتها في آخر زيارةٍ لدبي في يوليو/ تموز الماضي. وكقارئ خليجي لم تشدّني الصحيفة فقط بلمساتها الإخراجية وحجمها التابلويد، بل أيضا بسقف الحرية الذي تطرح به القضايا في بلدٍ محافظٍ شديد التحسّس من النقد. ورغم ما يسجل عليها البعض من ملاحظاتٍ بشأن التغطية والصدقية، إلاّ أنها اجتهدت ونجحت برفع سقف الحريات في الإمارات.

هذا عن أطراف العالم العربي، أما في وسطه فقد اعتقلت السلطات السودانية 60 صحافيا من تسع صحف (أي ثلث الصحف البالغ عددها 30)، شاركوا في احتجاج أمام البرلمان. وتدخلت شرطة مكافحة الشغب باستخدام العصي لاعتقالهم، وزجّت بهم في شاحنة، ولم يحدث أن اعتقل مثل هذا العدد من الصحافيين. واحتجبت الصحف الثلثاء الماضي احتجاجا، وشكّل ذلك سابقة منذ أيام الاستعمار البريطاني في الخمسينيات.

الصحافة هي المتنفس الوحيد المتبقي للشعوب العربية، بعد أن سيطرت الأنظمة على الجو والبر والبحر، فهل يُراد لهذه الشعوب الموت اختناقا؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2267 - الأربعاء 19 نوفمبر 2008م الموافق 20 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً