تعرف الجودة بأنها قدرة المؤسسة على تقديم المنتج أو الخدمة لزبائنها بالمواصفات التي تناسب احتياجاتها وعند هذا التعريف يجب أن تتوقف قليلا وتتعرف على حقيقة اقتصادية وهي كلما اختلفت مواصفات المنتج أو الخدمة أختلف السعر، وأصبح مقبولا أن يشتري الزبون المنتج أو الخدمة بسعر يختلف عن باقي زبائن المؤسسة وذلك لاختلاف حاجته أو استخدامه. ويصبح هذا الأمر أكثر عقلانية إذا ما نظرنا إلى مجال التدريب وكيفية تسعير برامج التدريب.
عندما تنتج مؤسسة قطع أثاث يتم تسعير القطعة باحتساب قيمة المواد الخامة وأجرة العامل تضاف إليها المصاريف المباشرة وغير المباشرة ونسبة الأرباح، فيصبح سعرها ثابتا وواحدا لكل من يشتري هذه القطعة ولكن عندما نتحدث عن تسعير برامج التدريب فالأمر مختلف باختلاف مستوى المتدربين وأهداف التدريب، فتدريب مجموعة من موظفي الاستقبال بأية مؤسسة في مجال «إدارة الوقت» يختلف كليا عن تدريب مجموعة من العمال الأميين أو المديرين التنفيذيين في البرنامج نفسه، ويرجع اختلاف الأسعار في هذه الحالة إلى عدة عوامل منها مستوى المدرب وخبراته، نوعية المادة التدريبية المطلوب إعدادها، نوعية التقييم، أهداف التدريب، مستوى المتدربين (مدخلات البرنامج). فليس من المعقول أن نستمر في البحرين بتحديد أسعار ثابتة لبرامج التدريب، هذا من الجانب التقني، وإذا ما نظرنا للتشريعات والقوانين والأعراف المنظمة لعملية التدريب فليست هناك نصوص صريحة يمكن تفسيرها بجلاء في هذا الجانب.
أعتقد أننا في البحرين في حاجة ماسة إلى ترك عملية تحديد أسعار البرامج التدريبية لعملية العرض والطلب وبناء على الاحتياجات الخاصة للمؤسسات والمتدربين ومدخلات البرنامج ومخرجاته.
تسعى هيئة ضبط الجودة (QAA) في البحرين إلى رفع وعي المعاهد والجامعات والمدارس بالأساليب العلمية الحديثة والتي تهدف إلى تقديم أرقى أنواع التدريب المؤثر وكذلك تقوم وزارة العمل ممثلة في إدارة شئون معاهد التدريب بجهود مماثلة في عملية تثقيف معاهد التدريب ومساعدتها لتطوير برامج تدريبية ذات صبغة احترافية تساهم في تطوير إنسان هذا البلد. ولهذه الجهود كافة ولوعي المسئولين في التدريب بالقطاعين العام والخاص نمت كثير من الممارسات الاحترافية في عالم التدريب، فلم تعد هناك مؤسسات تدرب على البركة بل أصبحت عملية تحديد الاحتياجات التدريبية وقياس العائد من الاستثمار بالتدريب علامات مميزة في عمل كثير من المؤسسات من المملكة، وهذا الجو أرسى قواعد مهمة في عالم التدريب، حيث تقوم كل مؤسسة بتكليف معاهد التدريب بأعداد برامج تدريبية ذات مواصفات خاصة للمؤسسة وتختلف باختلاف مستويات المشاركين حتى في المؤسسة ذاتها.
وهنا نتساءل: هل تسعير البرامج التدريبية وتحديد أسعارها يتماشى مع هذا الطرح السائد في عالم التدريب؟
إننا بأمس الحاجة إلى إعادة النظر في عملية تحديد أسعار البرامج التدريبية، فلم يعد مقبولا أن نطالب المؤسسات التدريبية بتقديم أرقى البرامج التدريبية وباتباع منهجية علمية قوامها تحديد الاحتياجات التدريبية وتطوير المواد التدريبية المتخصصة وتصميم وتنفيذ التقييم قبل وأثناء وبعد التدريب وتقديم التدريب في الصالات الفندقية أو أجواء مشابهة ومتابعة التدريب وإعطاء التغذية المرتجعة للمتدربين والمدربين أثناء وبعد التدريب، وكل هذا بأسعار ثابتة لجميع المستفيدين. هذا كله يجب تغييره، فإما أن تثبت أسعار البرامج التدريبية وتثبت في هذه الحالة مداخلاتها ومخرجاتها وإما أن تتوقف عن مطالبة المؤسسات التعليمية والتدريبية باتباع المنهجية العلمية في تقديم الخدمات أو تتجه لخيارنا الأفضل بأن تتماشى مع الاحترافية في عالم التدريب وتؤمن بأنه ليست كل البرامج صالحة لكل زمان ومكان وفي هذه الحالة يجب أن نطبق النظرية كاملة وأن يسمح بأن تخضع أسعار البرامج التدريبية للاحتياجات الخاصة بالمؤسسة والمتدربين، وأن تطلق أيدي المؤسسات التدريبية في تحديد أسعار برامجها التدريبية وأن تمتلك المؤسسات حرية اختيار ما يناسبها وبالأسعار التي تناسبها. وأصبحنا اليوم أكثر دهشة ممن يطالبون ببرامج تدريبية ذات صبغة احترافية وفعالة وفي الوقت ذاته بأسعار رخيصة إن لم تكن رخيصة جدا، بهذا هم يؤمنون بالمثل الشعبي السائد «رخيص وقوي» ليس هناك منتج رخيص وقوي، هناك منتج بمواصفات محددة تفي باحتياجات المستخدم وهذا ما يحدد سعره.
وإنني متفائل جدا بأننا قادرون في البحرين على مناقشة موضوع أسعار برامج التدريب بجدية خاصة في ضوء الأجواء الإيجابية والجهود الحريصة على التطوير المستمر والممثلة في جهود إدارة معاهد التدريب بوزارة العمل وهيئة ضبط الجودة وباقي الإدارات والمؤسسات ذات الاختصاص. وتصبح الجودة هي معيار الاختيار وتصبح الهيئات المنظمة لقطاع التدريب أكثر تفرغا للتركيز على جودة البرامج المقدمة بدل التدقيق على سعر الساعة وعدد الساعات. ولنتذكر جميعا أننا في البحرين نواجه تحديات كبيرة في مجال أعداد الكوادر البشرية المتخصصة في قطاعات العمل المختلفة وفي ظل تنوع هذه القطاعات والطفرة العالمية في مجال التخصص والتكنولوجيا لم يعد هناك برنامج تدريب واحد يصلح لجميع المستفيدين حتى وإن كان في المجال والتخصص نفسيهما. وليعلم القائمون على سن التشريعات وتطبيقاتها أننا نعيش عصرا تتطور فيه قطاعات العمل بسرعة كبيرة وعلينا أن نطور مجال التدريب ليواكب هذه المستجدات وهنا أختم بنقل مقولة لولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جاءت في كتاب «رؤيتي» وهي مقولة تستحق أن تقرأ بعناية وتفهم مضامينها الرفيعة.
«مع إطلالة كل صباح في إفريقيا يستيقظ الغزال مدركا أن عليه أن يسابق أسرع الأسود عدوا وإلا كان مصيره الهلاك، ويستيقظ الأسد مدركا أن عليه أن يعدو أسرع من أبطأ غزال وإلا هلك من الجوع... سواء كنت أسدا أم غزالا فمع إشراقة كل صباح يتعين عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح بإذن الله»
إقرأ أيضا لـ "عبدعلي محمد حسن "العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ