العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ

بين الواقع ووعود الإسكان

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

قبل أيام تطرّق مسئولون في الدولة إلى ما يُعانيه المواطن من جرّاء تأخر الانتفاع بالخدمات الإسكانية التي هي حق أصيل كما كفله الدستور، بما يحفظ المواطن عن المزايدة على مصالحه عندما تم الحديث بشكل ساخن عن الوحدات السكنية وتوزيع الأراضي للمنافع الاستثمارية أو الشخصية، فإنّ حماية المواطن ليست موضوعا للتسخين الإعلامي أو المكاسب السياسية أو الوعود الوردية، أو مُجاملة الأطراف التي تسعى لجعلها الضحية الدائمة، تزامن ذلك مع ما أشارتْ إليه بعض الاجتماعات، عن نيّة الحكومة في حل مشكلة الإسكان بزيادة موازنة الإسكان وإيجاد الأراضي!

علما أننا لو حصرنا مساحة الأراضي التي تقام عليها المشروعات الاستثمارية والاستثنائية. لا أعتقد أنّ هذه الاجتماعات، إذا ما تحققت مقاصدها، ستوقف نزيف الأراضي، ولا أظن أنّ حق المواطن في امتلاك منزل يقل عن حقه في التعليم، والغذاء ،والصحة التي تعتبر أهم مقوّمات حياة الإنسان في الاستقرار والعطاء.

فإذا كانت الدولة هي المالك الأصلي والمتصرّف بالأراضي وإذا كانت تعديات قد حدثت، فالتصحيح بواسطة القضاء سيلغي أية حجّة كانت، والمسألة هنا تقع ضمن مسئوليات الدولة وجهاتها الرقابية والتشريعية، وكلّ مَنْ له صلة بتدقيق وفحص هذه الأمور الحساسة التي تدخل في صلب الأمن الاجتماعي، ولم يعد هناك خفايا أمام عيون الناس، ففي الحين الذي أصبحت فيه الأراضي الإسكانية شحيحة، فإنّها توزع على المشروعات الاستثمارية والاستثنائية، حيث تسوير فضاء المدن بالأسيجة لمساحات طويلة بقصد الاستثمار أو الاستئثار، جعلت التوسّع خارج نطاق المدن مشكلة جغرافية وديمغرافية، وهما اقتصاديّا وأمنيّا قد ندفع ثمنه في المستقبل البعيد عندما تتحوّل تلك الأحياء إلى عزلة طبقية، بالإضافة إلى تحمل الحكومة توفير المستلزمات الأساسية من مياه وكهرباء، وصرف صحي ومدارس وأمن وغيرها. بدليل لو دققنا في موازنة الدولة المقدمة لمجلس النواب، وخصوصا قطاع البنية الأساسية، سنرى ارتفاع هذا الباب مبررا ليواكب التطوّر العمراني (الاستثماري) الذي ليس للمواطن نصيب فيه إلاّ من رحم ربي لسبب ارتفاع سعر المعروض وتدني دخل الفرد. ولهذا يجب أن تكون النظرة الإيجابية بتحرك الدولة بصورة حاسمة وقاطعة، لأنه من غير المنطقي أن تشير الإحصاءات إلى أنّ المواطن البحريني عليه الانتظار خمسة عشر سنة وأكثر أو أنْ يصل سن أبنائه إلى سن الزواج للحصول على الوحدة السكنية، وهذه قضية تحتاج إلى تحليل استراتيجي يطرح أبعاد القضية من زواياها المختلفة وانعكاساتها السلبية في حالة استمرار شح المساكن، والإيجابية في حال توفيرها... وللاستشهاد من الحالات المنتقاة أنّ هناك طلبات إسكانية منذ العام 92 ناهيك عن الفترة التي فقدوها بسبب تحويل طلباتهم من قرض إلى وحدة سكنية أو أرض إلى وحدة سكنية، نسأل الله أنْ تحل إشكالية هذا القانون من قبل مجلس النواب كما تم حل مشكلة رواتبهم التقاعدية، علما بأنهم لا يدفعون اشتراكات التأمينات ولم ينهوا الست سنوات القانونية بحسب نظام التقاعد كي يستحقون الراتب التقاعدي. ناهيك عن من وصل سنهم 49 عاما ولم يتسن لهم إلى الآنَ الحصول على منزل سكني، في المقابل تم الانتفاع لمستفيدين من طلبات 2002 وما فوق بصورة استثنائية أو توصيات. ولكن ما يحدث في البحرين هو أن محيط المدن وحتى داخلها شكلت الأراضي فراغات كبيرة فيه، إذا لم يوجد لها الحل الذي يتوافق مع خطط المدن وجغرافيتها الحديثة سنواجه مشكلة تخطيطية. كما يجب أن تعمل الدولة وأجهزتها بما فيها مجلس النواب على تصحيح هذا المسار المعقد، حيث إننا ندخل مرحلة دقيقة وحساسة إذ لابد أن تكون العلاقة الصحيحة في الطريق الخاطئ. إنّ العدل هو القضية الأولى والأساسية للمواطن البسيط ومن ثوابت مقاصدها تحقيق كرامة الإنسان ومصالح الناس.

هنا نقول أين الذين استفادوا من خيرات هذا الوطن المعطاء، وخصوصا الذين استفادوا من الهبات والمخططات، للإسهام في حل معضلة الإسكان؟ هل استثمروا جزءا من هذه الأراضي التي وهبت لهم لبناء وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود في مناطقهم؟ وخصوصا من تعذرت عليهم الاستفادة بوحدات سكنية لمدد طويلة للتخفيف عليهم، بدل زيادة إعداد مجمعاتهم التجارية في الداخل والخارج، ليس من دون مقابل ولكن بإيجار يحفظ للتجار استمرار التدفقات المالية لخزينته ولكن بقناعة ولرد دين خيرات هذا البلد المعطاء وهذا أقل ما يقدم لهذا الوطن. حيث لو قارنا ما تبرعت به بعض الشخصيات غير المسلمة بمن استفادوا من هذا الوطن سنرى الفارق كبير، علي سبيل المثال لا الحصر الممثل ارنود شوارزنجر تبرع بثلث ثروته لمؤسسة تطوير علاج مرض القلب للأطفال ومازال يدفع ثلث دخلة السنوي لهذه المؤسسة، والممثل كيانو ريفز الذي تبرع بملايين الدولارات لدعم الابحاث حول مرض السرطان، كما ساهمت المذيعة اوبرا وينفرى في الحؤول من دون اغلاق مركزين تربويين بعد أنْ منحت خمسة وعشرين مليون دولار لجامعة اتلانتا، وثلاثة ملايين لمدرسة شيكاغو الثانوية. أمّا الممثلة انجلينا جولي فقد تبرعت بمبلغ 800 الف دولار للاجئين الأفعان، بالإضافة إلى تخصيصها ثلث عائداتها من الأفلام لصالح القضايا الإنسانية، وتبرع الفنان ميل جيبسون بعشرة ملايين دولار لدعم مستشفى في مجال الرعاية الصحية للاطفال الأجانب، إنّ هذه المقارنة ليس من باب النظر إلى ما في جيب الغير ولكن لترسيخ مفهوم التكامل الاجتماعي والحس الوطني. وهنا أقول إنّ توفير العدالة الناجزة للمواطنين هي العدالة التي تضمن احترام حقوق المواطنة، وتطبق القانون بحسم وتجرد، وتنفذ أحكامها فورا ومن دون مشقة، وهي العدالة العصرية علما وكفاءة وخبرة وثقافة، والتي تستند إلى تشريعات عصرية تتناسب مع مقتضيات النهضة والتحديث وهي التي نستمدها من دستورنا، وتقوم على الأخذ بوسائل التكنولوجيا الحديثة فى توفير خدمة العدالة للمواطنين كي لا تسقط طلبات المواطنين سهوا أو علما من وزارة الإسكان أو من قبل اللجان غير الشرعية التي تشكل لتوزيع الوحدات الإسكانية! والتي لا تراعي الأولويات بحسب الاقدمية ولكن تراعي المحسوبيات والمجاملات علي حساب المواطن الذي ليس له إلا الانتظار بحسب القانون. ولكي نعطي المواطن الشعور بالثقة والأمان، وتعمق شعوره بالانتماء للوطن. يجب توفير العدالة الناجزه للمواطن من خلال مراعاة أولويات الأمور كى تتلاءم مع متطلبات النهضة والتقدم. والسير بالمشروع الإصلاحي الذي أجمع عليه الكل والذي لا مناص عنه

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2266 - الثلثاء 18 نوفمبر 2008م الموافق 19 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً