انفضت قمة العشرين (G20) وسط ترحيب دولي عبرت عنه تصريحات القادة المشاركين فيها في أعقاب إعلان القمة عن توصلها لمشروع خطة عمل من ست نقاط تهدف إلى تنشيط الاقتصاد العالمي، وتبني سلسلة تدابير ذات أولوية قصوى ينبغي إنجازها قبل نهاية مارس/ آذار المقبل بهدف استعادة الثقة بالنظام المالي.
هذا الترحيب ونبرة التفاؤل الصادرين عن القيادات السياسية التي شاركت في المؤتمر تشكك فيها مسحة التشاؤم التي تصل إلى مستوى خيبة الأمل التي شابت تحليلات الكثير من المهنيين أوالمسئولين في المؤسسات المالية والأكاديمة التي تناولت نتائج اللقاء بالمراجعة والتحليل.
فها هو رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس يؤكد أن «الصندوق سيحتاج إلى مزيد من الدعم المالي، قد يصل إلى نحو 100 مليار دولار لكي يتمكن من الاستجابة إلى المطالبات العديدة التي تدعوه إلى القيام بدور أكبر في حل الأزمة المالية العالمية».
أما كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي السابق والمحلل الاقتصادي حاليا في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، سيمون جونسون، فهو يعبر عن خيبة أمله فيما توصلت إليه تلك القمة في تصريح له لصحيفة «نيويورك تايمز».
وبعيدا عن ذلك الترحيب أو التشاؤم، يكفينا العودة إلى ما أعلنت عنه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن تخفيض توقعاتها للنمو في كل من الولايات المتحدة واليابان ومنطقة اليورو، وتخوفها من دخول الاقتصادات الثلاثة في دورة كساد، مؤكدة بذلك، أن القمة ليس في وسعها أن تضع حدا لمواجهة الكساد والإنكماش وهي في طريقها لضرب أهم 25 اقتصادا عالميا.
لكن نظرة أكثر تمعنا لما تمخضت عنه القمة يلاحظ أنها، تغافلت، وربما بوعي، الولوج إلى صلب الأزمة ومحاولة معالجة أسبابها، عوضا عن الاكتفاء بتشخيص الأعراض والسعي إلى وضع مسكنات لآلامها.
إن أهم مسببات الأزمة يكمن في إعادة النظر في مستوى الرقابة الحكومية على الاسواق والعمليات المالية، فذلك المستوى هو الذي سيحدد مستوى وتأثير القرارات السياسية التي بوسعها امتلاك القدرة على التحكم في درجة ومستوى إصلاح النظام المالي، بدلا من التوقف مجددا أمام دورات النمو والتباطؤ التقليدية في الاقتصادات العالمية بقطاعاتها المختلفة.
فالاقتصاد العالمي اليوم بحاجة إلى تجاوز المعادلة التي ولدتها القرارات السياسية التي كانت سائدة حتى نهاية الحرب الكونية الثانية والتي شكلت الشركات العملاقة، بما فيها الشركات المتعددة الجنسية الرافعة للسياسة، إذ لم يكن على الدول والحكومات سوى عقد الاتفاقيات التي تفتح الأسواق ومصادر المواد الخام أمام تلك الاحتكارات التي كان بوسعها، من خلال الدعم الذي كانت تحظى به من قبل حكوماتها أن تملي شروطها على الأسواق ومصادر المواد الخام، لتحديد الأسعار وعلاقات التصدير والإستيراد.
لكن اليوم ومع تطور النظام السياسي العالمي من جهة، ومع انطلاق العولمة وسقوط نظام القطبين، وتفرد النظام الرأسمالي في العالم تقريبا، ونشوء ما أصبح يعرف بالأسواق الصاعدة (Emerging Markets) مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، انعكس ذلك على العلاقة بين مراكز صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة وأوروبا والشركات العملاقة العاملة فيها والباحثة بجشع ورثته من المرحلة السابقة، وغير قادر على التكيف مع شروط وقوانين المرحلة الحالية، عن مصادر جديدة للمواد الخام، وعن أسواق أخرى لتصريف منتجاتها.
أدى ذلك إلى نمو الدور السياسي لتلك الاحتكارات وتراجع دور حكومات الدول العظمى التي تنطلق منها تلك الاحتكارات على الصعيدين المحلي والعالمي، وبدأ الحديث عن تمتع الاسواق المحلية والعالمية ومن بينها أسواق القطاع المالي عموما بحرية فائقة في ادارة شئونها واصبح الشعار السائد أن السوق لها قوانينها وأنها قادرة على تصحيح نفسها بنفسها من دون تدخل من الدولة. ترافق ذلك مع بهتان القدرات الرقابية على عمل الاسواق المالية ونشاطات المؤسسات المالية في الاقتصادات الرئيسية، واصبح الهدف الاساسي لكل عمليات الاصلاح في اقتصادات الدول النامية هو كف يد الدولة واطلاق يد السوق.
هذا التناقض بين الواقع السياسي والنظام الاقتصادي هو الذي يرسم علامة استفهام كبيرة أمام مد قدرة قرارات قمة العشرين في الوصول بسفينة الاقتصاد العالمي إلى بر الأمان الذي نبحث عنه جميعا، وهي المسألة الأساسية التي لم تتوقف عندها قمة العشرين
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2265 - الإثنين 17 نوفمبر 2008م الموافق 18 ذي القعدة 1429هـ