تحت رعاية نائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نظم الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مؤتمر الأجور بمشاركة منظمة العمل الدولية وممثلي الجمعيات الاقتصادية والسياسية وأعضاء مجلس النواب والنقابات لتسليط الضوء على الغلاء المعيشي في ظل التطورات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار النفط تحت عنوان «البرامج المعيشية بين وعود الإصلاح الاقتصادي وسطوة التضخم».
إن أهم ما ميّز المؤتمر أنه حظي برعاية رسمية عالية، كما وفر بيئة خصبة لتلاقي أطراف الإنتاج الثلاثة (الحكومة، القطاع الخاص، الموظفون) وجها لوجه لمعرفة الآثار التي ترتبت على المتغيرات الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على مستويات المعيشة للمواطنين.
16 توصية مهمة وجديرة بالتطبيق خرج بها مؤتمر الأجور، وفي مقدمتها إنشاء مجلس أعلى ثلاثي الأطراف للأجور، وصحيح أن غرفة تجارة وصناعة البحرين التي شاركت في المؤتمر قد أبدت معارضتها لهذه التوصية، ولكن لا يصح أن يغلق الباب أمام ولادة هذا المشروع المهم، ولا بد من متابعة هذه التوصية، وتحقيق الأطر الموضوعية لجعلها أمرا واقعا، وليس الغرض من هذا المجلس المقترح مصادرة أي طرف من الأطراف الشريكة الثلاثة، وهو الأمر الذي يبدد أية هواجز يطرحها ممثلو القطاع الخاص.
مؤتمر الأجور طالب بربط التنمية البشرية بتطوير مهارات العامل البحريني وقيام «تمكين» بوضع برامج لوظائف ذات قيمة مضافة عالية وأجر عال، والتأكيد على تشجيع وحماية المنتج الوطني و المحافظة على التدفق النقدي داخل البلاد، فضلا عن ضرورة أن تقوم الحكومة بتغطية الفارق بين الأجر والحد الأدنى للمستوى المعيشي اللائق.
لم يعد مقبولا استمرار وجود عشرات الآلاف من الموظفين الذين لم يستفيدوا من الوفرة النفطية الكبيرة التي تحققت خلال السنوات الثلاث الماضية، صحيح أن وزارة العمل قامت بجهد مشكور واستثنائي وبحراك جاد في تخفيض نسبة البطالة إلى معدلات قياسية، ولكن ذلك لا يتنافى مع حقيقة أخرى وهي الأجور المتدنية وظروف العمل غير المنصفة التي يعيشها الكثير من العمال، فهناك بعض الشركات التي تستعبد البحريني.
وحان الوقت لمجلس النواب وللاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وللحكومة وغرفة التجارة أن تكون لديهم الجرأة المطلوبة لفتح ملف تفضيل الأجنبي على المواطن الذي يحمل المؤهلات نفسها، وهو أمر ظل مسكوتا عنه خلال السنوات الماضية، علما أنه سبب جوهري لعزوف الشاب البحريني المؤهل عن الوظائف التي يطرحها القطاع الخاص.
ففي بعض الشركات يشكل بعض الأجانب مافيات لمحاربة البحريني، ويتم ذلك في كثير من الأحيان بتواطؤ سافر من صاحب العمل، بحيث تكون للأجنبي ليس السيادة فقط في المؤسسة بل الكلمة الفصل، فتكون كلمته الراجحة، وهذه الظاهرة مدعاة للقلق الحقيقي الذي يجب أن نناقشه بشفافية لنوقف مسلسل التجاوزات الخطيرة بحق الموظف البحريني.
مؤتمر الأجور دعا كذلك إلى تحديد الخط الوطني للفقر ووضع الحد الأدنى للأجر بالتوازي مع هذا الخط من خلال هيئة ثلاثية الأطراف ومشاركة المجتمع المدني والمختصين، غير ان ذلك يتطلب بطبيعة الحال الوصول إلى تعريف وطني للفقر في مملكة البحرين يتوافق مع مستوى المعيشة والدخل في البحرين والذي يختلف بالطبع عن تعريف الفقر في دول أخرى.
إن إحدى الخطوات المهمة والاستراتيجية التي تمخض عنها مشروع إصلاح سوق العمل هي ولادة مؤسسة تمكين (صندوق العمل) وهي جهة شبه مستقلة تتمتع بالاستقلالية تقوم بوضع وصياغة الخطط الاستراتيجية وخطط العمل للاستفادة من الرسوم التي تحصلها هيئة تنظيم سوق العمل وذلك من أجل الاستثمار في تحسين قدرات التوظيف للمواطنين البحرينيين وخلق وتوفير الوظائف ذات المردود المجزي وتقديم الدعم الاجتماعي بما يخدم سوق العمل.
ومن الأهداف الرئيسية لتمكين (صندوق العمل): دعم البحرينيين لكي يصبحوا الاختيار الأمثل عند التوظيف، ودعم الجهود الحالية لعملية خلق الوظائف في القطاع الخاص ومساعدة القطاع الخاص لتحسين وتطوير إنتاجيته ونموه.
ومن حسن الحظ، انه بعد أسابيع عدة من مؤتمر الأجور الذي نظمه اتحاد العمال، سوف يعقد مؤتمر هام في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني لمناقشة اكتشاف وسد فجوة المهارات الحالية والمتوقعة في سوق العمل البحرينية، والطرق الأفضل لسد فجوة هذه المهارات.
ويشكل المؤتمر فرصة للمشاركين المدعوين التعرف على الدراسة وإبداء الملاحظات حول النتائج الأولية ووضع النماذج الاقتصادية من خلال الدراسة التى أجرتها شركة الاستشارات مجموعة الين الاستشارية بتكليف من قبل صندوق العمل.
وبحسب «تمكين» فإنه من المتوقع أن توفر الدراسة ثروة من البيانات والمعلومات لمساعدتنا على تحديد نقص المهارات المتوقعة في سوق العمل والتحقق منها في جميع قطاعات الاقتصاد الوطني من أجل تدعيم وتعزيز التوافق الاستراتيجي لبرامج «تمكين» مع احتياجات ومتطلبات القطاع الخاص.
ومن دون ريب ان عقد المؤتمرين في البحرين خلال عام واحد يعكس وجود جدية كبيرة في معالجة ملف وضع البحريني في سوق العمل، ولكن هذه الجدية يجب أن تكون مقرونة بآليات تشريعية وتنفيذية لتحقيق نتاج المؤتمرين المهمين إلى أثر ملموس يترك انعكاسه على وضع آلاف الشباب البحريني في القطاع الخاص. إنها مهمة ليست سحلة وسلسة ولكن حان الوقت لأن نبدأ التحدي من أجل واقع عمل عادل للبحرينيين
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ