العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ

الانسحاب المنظم بدلا من فوضى الهروب

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم السبت 15 نوفمبر/ تشرين الثاني يلتقي زعماء عشرين دولة، وهي الدول الصناعية السبع الكبرى وعدد من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، في واشنطن لبحث تداعيات الأزمة المالية العالمية.

يأتي هذا الاجتماع بعد مكابرة دامت ما لا يقل عن أربعة أشهر، لم يعد بعدها في وسع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلا أن تعترف بأنها خفضت توقعاتها للنمو في كل من الولايات المتحدة واليابان ومنطقة اليورو، وأنها تتوقع دخول الاقتصادات الثلاثة في دورة كساد.

ثم ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أكدت أنها تتوقع أن الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، سينكمش بنسبة 2,8 في المئة خلال الربع الأخير من العام 2008، وسيواصل انكماشه بنسبة 0,9 في المئة خلال العام 2009.

لم تأت هذه المسحة التشاؤمية في التصريح الأوروبي من الفراغ، فعلى نحو مواز اعترف وزير الخزانة الأميركي هنري بولسون بأن خطة الإنقاذ، التي أوهم الرئيس الأميركي جورج بوش المواطن الأميركي والعالم معه، والتي بلغت قيمتها 700 مليار دولار، «حتى وإن ساعدت بشكل نسبي في تحقيق شيء من الاستقرار المؤقت في النظام المالي، فإن هناك الكثير من التحديات، وإن الأسواق المالية لم تستقر بشكل كامل حتى الآن»، الأمر الذي سيدفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن «فكرة استخدام مبلغ 700 مليار دولار المقررة في خطة الإنقاذ لشراء الديون المتعثرة من البنوك، وعوضا عن ذلك، وكما يقول بولسون: «سيتم التركيز على ضخ سيولة في البنوك المتعثرة عن طريق شراء أسهمها وذلك لمساعدتها على استئناف أنشطتها بشكل معتاد».

يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه الحكومة الفيدرالية الأميركية أنها «تدخل العام المالي الجديد بعجز في الموازنة بلغ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 237,13 مليار دولار». يترافق كل ذلك مع موجة انخفاض حادة هبَّت على أسواق الأسهم العالمية بما فيها تلك الآسيوية، ما عزز من مخاوف استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية.

موجة الأزمة هذه بدأت تضرب شواطئ أسواق المال الخليجية، وعبرت عنها مجموعة من الإجراءات التي كان أبرزها في الكويت التي لم تجد أمامها أفضل من إصدار حكم قضائي، في سابقة قد تكون الأولى على مستوى العالم، يوقف التداول في بورصة الكويت بعد تعالي صرخات أطلقها متداولون كوتهم الانخفاضات الحادة التي عانوا منها خلال فترات هبوط السوق بشكل حاد منذ عدة أشهر، وبعد تفاقم الخسائر التي بلغت نحو 25 مليار دينار كويتي منذ يونيو/حزيران الماضي.

والكويت ليست الاستثناء في مجلس التعاون، فمنذ بداية العام بلغت نسبة التراجع في مؤشر سوق الإمارات المالي 49,59 في المئة، وبلغ إجمالي قيمة التداول 521,61 مليار درهم، وبلغ عدد الشركات التي حققت ارتفاعا سعريّا 34 من أصل 129 و عدد الشركات المتراجعة 83 شركة.

وتراجع المؤشر القطري إلى مستوى 5886 نقطة، فاقدا 157 نقطة تعادل 2,60 في المئة من قيمته، وذلك وسط تراجع بالتداولات التي لم تتجاوز 448 مليون ريال مقابل 19,9 مليون سهم.

أما في البحرين، فأنهى المؤشر أسبوعه الماضي عند مستوى 2039 نقطة، بخسارة 18 نقطة تعادل 0,87 في المئة في قيمته، في حين خسرت السوق العُمانية 152 نقطة تقريبا، لتغلق عند 6222 نقطة، فاقدة 2,38 في المئة من قيمته.

باختصار مُنيت معظم الأسهم في أسواق المال العربية بخسائر فادحة، قادتها البورصة الكويتية، التي تراجعت بشدة، تبعتها أسهم الإمارات التي فقدت أكثر من 22 مليار درهم إماراتي من قيمتها السوقية. ولم تكن السوق السعودية بأفضل من ذلك، على رغم الارتفاع الطفيف المؤقت الذي شاب التعاملات فيها خلال الفترة الماضية، والذي لم يعوض بعدُ الخسائر التي منيت بها منذ مطلع هذا العام.

كل الدلائل تشير إلى أن العالم يدخل نفق أزمة اقتصادية بنيوية على من يريد أن ينقذ اقتصاده أن يهيئ نفسه لمواجهتها، ليس من خلال إجراءات تكتيكية قصيرة المدى، ولكن بوضع خطط إستراتيجية متكاملة تراعي عناصر تلك الأزمة وذيولها.

هذا ما يعترف به الرئيس التنفيذي لصندوق «دبي انترناشيونال كابيتال» التابع لـ «دبي القابضة» سمير الأنصاري، حين يقول: «إن الوضع المالي العالمي مرشح للمزيد من التأزم بسبب ممارسات السنوات السابقة»، مبررا سبب قرار الصندوق الذي يديره الابتعاد عن الصفقات الكبرى والاحتفاظ بسيولة عالية في هذه الفترة.

بدوره يحذر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من تلك الأزمة البنيوية من جراء شيخوخة قوانين النظام الرأسمالي الحالية حين يقول: «هناك إجماع على الحاجة إلى رأسمالية مختلفة ومنظمة في الوقت الحالي». ويطالب ساركوزي بفرض قيود أكبر على عمل المؤسسات المالية الدولية، ودور أكبر لصندوق النقد الدولي.

الخوف اليوم، وفي ضوء القرار الكويتي أن نشهد هروبا ماليّا خليجيّا فوضويّا متخبطا يتحاشى مواجهة الأزمة ووضع الحلول المناسبة لها، الأمر الذي من شأنه مفاقمة الأزمة وإطالة عمرها.

يأمل المواطن الخليجي أن يشاهد حلول تراجع منظم يشخص الأزمة، ولا ينفيها، ويضع حلولا عملية لها بدلا من القفز فوقها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً