العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ

حريق المحرق!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لعلّي أجد نفسي متأخرا في طرحي هذا عن تداعيات الحوادث المؤسفة من اضطرابات واحتقانات طائفية غير الجديدة وغير الدخيلة على المحرق، والتي لطالما أثبتت أنها لم تكن سوى مدينة التعايش الوهمي، وهي بالتالي لن تكون مدينة تعايش حقيقي إلا لدى من يظن بأن الحصول على تخفيض من قبل أحد التجار «الكراشية»، أو مساعدة عجوز من الطائفة الأخرى على عبور الشارع، أو زيارة المآتم والمساجد والمجالس الرمضانية ومجالس الأعياد ومجالس «الفلاشات» الخاوية وتبادل «الصحون والكابات» إنما هي جميع هذه المظاهر بمثابة جنة التعايش الوطني الموعود، وهو تعايش في النهاية ضخم جدا بحجم الفيل وإن كان يستند على شعرة سياسية منثنية!

وبالنسبة إلى حريق المحرق الأخير فإنني قد أتفق مع ما ذكره سابقا الزميل محمد العثمان في أحد مقالاته عن جملة أسباب بنيوية وطارئة، وقد ذكر منها في مقاله «جذور فتنة المحرق» على سبيل المثال والتي من بينها «التوسع الجغرافي - المكاني للمناسبات الدينية»، وحتى «المؤسسات الطائفية التي سمحت لها الدولة ممارسة حريتها في التهميش والإقصاء في الفرق والطوائف الأخرى» ومرورا بـ «توزيع المطبوعات ذات الصبغة الطائفية» و «الجمعيات ذات الصبغة السنية/ الشيعية» وأخيرا وأولا «بعض الأدوات التي تحركها الرؤوس الكبيرة في البلد»!

ومن أراد أن يوسع حصيلته المعرفية والتاريخية متأملا في قراءته لـ «فتنة فريج البنعلي» الأخيرة فليقرأ كتاب الباحث المرموق نادر كاظم «طبائع الاستملاك» الذي رصد فيه غريزة النهم والاستعراض الطائفي المتفشية في المجتمع البحريني، والتي تروم احتكار واستملاك كل مرفق عام لصالح الطائفة، ومن شاهد تفاقم هذه الظواهر الوافدة والمتشنجة وغير الطبيعية في مجتمعنا يدرك خطورة ما أعني وكيف جرى توظيف وتضخيم المصطلحات والعبارات والصور والشعارات الدينية الطائفية الرنانة أسوأ توظيف وبشكل استفزازي للطرف الآخر مهما كان مستوى وعيه، فحينما يتم إلباس رموز الطائفة مظاهر الخلاص والألوهية، ويتم إسقاط الصور التاريخية المستعادة بشكل إقصائي فج على الأحداث السياسية الحالية، وتعلق تلك العبارات والصور المضخمة في المرافق العامة إلى حد تعوق فيه الحركة، فما الذي نتوقعه حينها من الطرف الآخر الذي يحس بأن وجوده مهدد وفي خطر؟!

مثل ذلك التأزم الحاصل في النهاية لا يمكن أن يعكس أيا من صورة لتعايش كان وسيكون، وإنما هو يفضح هشاشة البنية الاجتماعية والسياسية التعاقدية القائمة، وحكم الطائفة للمجتمع، إذ تتبادل الطوائف الاستقواء على بعضها البعض، وهو الذي وإن وجد له أمراضه الموروثة وطفيليوه فإن هنالك بعض الأطراف النافذة من السلطة من مصلحتها أن تديم تلك الهشاشة وتستثمر فيه استثمارا شيطانيا وانتحاريا فتنتقم شر انتقام من المجتمع بأدوات تمكينه ذاتها «إطلاق الحريات»!

ويكفيك أن تشاهد اندلاع تلك التنافسيات القذرة في بؤر التوتر ببعض المناطق المختلطة طائفيا في البحرين ممثلة في دعم وإسناد سباق العرائض والمطالبات «الشعبية» لإنشاء مأتم أو مسجد أو «كابينة» على قطعة صغيرة من الأرض «خل نتغدى ابهم قبل ما يتعشون فينا» والأخيرة سمعتها بأذني مرتين!

أما بالنسبة إلى دور أطراف التأزيم التكفيرية الدخيلة والمستوردة إلى البحرين والمروجة للأفكار التكفيرية والاقصائية المتشددة التي وجد بعض أطراف السلطة أن هنالك مكسبا استراتيجيا تشطيريا في دعمها مليونيا والعمل على ازدهارها ومأسستها وإكسابها صوتا ونفوذا وصولة في مختلف المناسبات والفعاليات الشعبية وفي المجالس والنوادي والمساجد وحتى «البرادات» وكذلك ساعة الانتخابات النيابية فحدّث ولا حرج، فمن تابع التحولات الطارئة والجارية منذ سنوات على المشهد السياسي والاجتماعي البحريني سيدرك ما أعنيه من أن حرائق المحرق وإن اعتبرت «فعلا شاذا» و «سلوكا غريبا» غير أن كل الغرابة الوحيدة في الأمر تتمثل في استغراب هذا الأمر مع ما خيض تجارب عديدة سرعان ما نساها الأهالي وتلاشت كالسراب في ذاكرتهم الرملية!

لذا فإنني لن أستبعد أبدا وإن كنت أحتّم أن مثل تلك الحرائق المتوترة قد جرى ويجرى إذكاءها مرة أخرى بدعم من ذات الأطراف السلطوية المتنفذة لإعادة تسخين وهندسة الأرضية السياسية والاجتماعية على مناحي وميول استقطابية طائفية وإثنية تحضيرا للانتخابات النيابية القادمة في 2010 بعد عامين في بعض بؤر التوتر السكني لا «التعايش» ومنها «حالة بوماهر» و «فريج البنعلي» وغيرها من مناطق البلاد طولا وعرضا والتي كانت وظلت التعددية التاريخية والطارئة فيها «وبالا»!

ولعله من المناسب العودة إلى ما عايشته وسبق وأن أثرته في أحد مقالاتي عن قصة «العريضة الوطنية ضد التجنيس السياسي» التي جمعت توقيعات كثيرة من شبّان ورجالات وشيوخ ووجهاء المحرق، وكيف وُوجهت واحتوت وصدت عبر إثارة قضية حمى التملك لعقارات المحرق من قبل ذوي الأصول الفارسية في حينها، وفجّرت ما فجّرت من الضجة الجانبية ما يغني ويزيد عن فائض التخلص من أي توحيد شعبي ومجتمعي للمواقف تجاه قضية من القضايا، وسبق أن شارك في التصدي لذلك التحرك القذر المناضل الوالد عبدالرحمن النعيمي (شفاه الله) ومعه ثلة طيبة من رجالات ووجهاء المحرق والأخيرين لاقوا ما لاقوه حينها من تهديد ووعيد مشبوه!

فهل سنرى أدعياء العمل السياسي الثلاثة «زعبور» و «فرفور» و «شرشور» مرة أخرى ضالعين و «مهدئين» لتلك التجاذبات الطائفية الفائتة والموعودة في بؤر التوتر المحرقية والبحرينية؟!

ستجدهم في كل مجلس يهيمون إما ثلاثا، أو هم يتبادلون «الزامات» ويستحيل أن لا تجد أحدهم في مجلس ما إن لم تجدهم جميعا، فهم في مجالس الطائفة «أ» يتفاخرون بما سخروه من أدوات شبابية ورصدية شبكية متطورة لتحركات الطائفة «ب» ومدها المتفاقم ميدانيا، وفي مجالس الطائفة «ب» يتغنون بـ «الوحدة الوطنية» أو قل الوحدة الوثنية مع طرف من أطراف النفوذ والتسلط، ويحذرون من خطورة الاستقطابات الطائفية» التي ستمكن أعداء الأمة منّا!

وفي جميع السياقات لست أدري إن كنا من ضمن المخولين بالكتابة عن أسباب تلك الأزمات والتحذير من مستغليها والمتاجرين بها، أم إننا نحتاج إلى تأشيرات «فيزا» لدخول «دواعيس» المحرق المتهالكة وتأشيرات «فيزا» أخرى للكتابة عنها ستمنح إكراما لنا من قبل مقصورة فرسان «الفاتيكان المحرقي الجديد» أو «فاتيكان التعايش الوهمي» حماية وتحصيناَ لهذه الولاية القائمة بذاتها ضد أي «غزو خارجي» درازي أو رفاعي أو زلاقي أو ستراوي وبني جمري!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً