العدد 2261 - الخميس 13 نوفمبر 2008م الموافق 14 ذي القعدة 1429هـ

إخراج باكستان من قبضة التطرف

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بدأت الحكومة الباكستانية، بدعم من الولايات المتحدة عمليات عسكرية لمطاردة الإرهابيين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، الأمر الذي زاد من كراهية الشعب أولا ضد حكومته ومن ثم ضد الولايات المتحدة، بسبب عدد الضحايا المدنيين أثناء العمليات. وقد نتج عن هذه الكراهية أعمال تمرد ضد أهداف غربية وأمنية، الأمر الذي ساهم في المزيد من الاستقطاب في الخلافات الداخلية.

كان باكستان، الذي يعتبره البعض أكثر الأماكن خطورة في العالم، وحتى نهاية ستينات القرن الماضي عبارة عن مجموعة جميلة ومتنوعة من الشعوب يعيش أفرادها الذين ينتمون إلى أديان وطوائف ومعتقدات متنوعة معا بسلام.

قلّة هم الذين يذكرون أن وزير خارجية باكستان الأول، ظفر الله خان كان من الطائفة القاضيائية، مثله مثل الباكستاني الوحيد الحائز على جائزة نوبل بالفيزياء، عبدالسلام.

وتشكل طائفة القاضيائية طائفة غير مسلمة حسبما أعلن في دستور الدولة في نهاية سبعينات القرن الماضي. وما هو غير معروف للكثيرين أن أول وزير عدل باكستاني جوغندار ناث مندال كان هندوسيا. لم يعترض أحد عند تأسيس دولة باكستان على هندوسي يقوم بترجمة وتفسير قوانين أول دولة تأسست باسم الإسلام.

إلا أنه ولسوء الحظ، تآكلت هذه المؤشرات المبكرة من التعايش والتماسك والمساواة الدائمين وأصبحت صورة باكستان المتنوعة ممزقة.

يمكن إرجاع العنف والاقتتال الطائفي الذي جرى أخيرا في باكستان إلى فترة استخدام الدين من قبل الرئيس الجنرال ضياء الحق كوسيلة لخلع الشرعية على النظام في الثمانينات. كانت محاولته إيجاد نظام سياسي إسلامي داخل باكستان محاولة للحصول على الشرعية مع اليمين المتدين، ولكن بدلا من ذلك قام بتقسيم الأمة بحسب خطوط دينية.

بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان العام 1979 تطورت شبكة معقدة بين المجاهدين الأفغان والمجموعات الدينية المحلية والدولة الباكستانية، بدعم كريم من الأسلحة والمعدات الآتية من الولايات المتحدة. وأدى الخليط من سهولة الحصول على الأسلحة ونمو عدد المحاربين المتحفزين إلى انتشار العنف بشكل سريع من أفغانستان إلى باكستان نفسها.

أثّرت ما تسمى بحرب الولايات المتحدة على الإرهاب على باكستان مباشرة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر. بعد سقوط الطالبان في أفغانستان هرب الكثير من المهتمين بالانضمام إلى القاعدة وبقايا الطالبان من أفغانستان، ويعتقد أنهم لجأوا إلى باكستان. حاولت الحكومة عقد الكثير من صفقات السلام مع هؤلاء المتشددين، إلا أنه لم يتم التوصل إلى أية اتفاقيات.

وبينما أدت النزاعات المذكورة أعلاه إلى المزيد من التشدد والتطرف داخل الدولة، إلا أن المناهج الباكستانية المحفّزة دينيا أوجدت المزيد من الخلافات والفرقة.

تصور المناهج «المؤسلمة» التي يجرى تدريسها في المدارس الحكومية المسلم على أنه البطل من خلال رفض مساهمات غير المسلمين، بصورة صارخة، بحسب دراسات قام بها كتّاب مستقلون. بذلك يجري تأصيل السلوك السلبي والتوجهات المنحازة والعقليات التمييزية تجاه غير المسلمين محليا ودوليا في سن مبكرة.

ويعرّض الحب الشديد للسلطة والمصالح من قبل الزعماء السياسيين والدينيين والقبليين نسيج المجتمع إلى الخطر ويشجع على الظلم والتمييز، وينتشر العنف الطائفي باستمرار إلى البيئة القائمة غير المتناغمة أصلا.

وحتى يتسنى جعل باكستان أمة حديثة معتدلة مزدهرة تنعم بالصحة، يتوجب علينا تغيير الأنظمة والهياكل الاستغلالية وأنماط التمييز والظلم وعدم التسامح، إضافة إلى السياسة السلبية، بدلا من الإيجابية، التي تطورت عبر السنوات الثلاث الماضية.

تتطلب الديمقراطية التشاركية حوارا مفتوحا وتعاونا متبادلا بين زعماء الحركات القبلية والدينية والسكان المحليين المتأثرين، حتى يتسنى محاربة التشدد والحقد وعدم التسامح بأنواعها كافة.

تحتاج باكستان لاستراتيجية ثنائية على أسس قصيرة وطويلة الأمد لمحاربة الاقتتال الداخلي أو الطائفية وإيجاد بنية سلام وتناغم وفرص متساوية للجميع. وعلى المدى القصير من الضروري اشتمال الذين يشعرون بالعزلة والمهمشين والأقل حظا، بغض النظر عما إذا كانوا مهمشين عقائديا أو دينيا أو سياسيا أو اقتصاديا، بهدف إيجاد سياسة وطنية من التماسك والاشتمالية.

على المدى البعيد هناك ضرورة ملحة لتغيير شامل لنظامنا التعليمي والعملية السياسية، إضافة إلى توزيع الثروة والموارد بين جميع المقاطعات والقطاعات.

نحن بحاجة لأن نعيد روح التقدم والنمو الوطني المبنية على أسس الوحدة والإيمان، واعتناق التنوع والتعددية والعدالة والمساواة، وجميعها جزء لا يتجزأ من هذه الأمة. ويستوجب الأمر تغيير في المواقف والتوجهات من الأعلى إلى مستوى الجذور، حتى يتم محو التوجهات التمييزية والإجحافات والممنوعات.

يتمثل التحدي الهائل الذي يواجه باكستان في ضمان أن تشهد المجتمعات المتأثرة تحولا سلسا من النزاع إلى السلام المستدام، ومن انعدام الأمل إلى الأمل ومن الظلم إلى العدالة.

نحن بحاجة لأساليب جديدة من التفكير بالمشكلات القديمة والأساليب الجديدة من التصرف لإيجاد أثر مهم على هياكل السلطة القائمة.

*منسقة برامج في مركز الدراسات المسحية في راولبندي بباكستان، وتعمل في مجال التناغم بين الأديان على مستوى الجذور، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2261 - الخميس 13 نوفمبر 2008م الموافق 14 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً