لم يعد هناك في دول مجلس التعاون من يستطيع أن يكابر فيدَّعي أن بلاده بعيدة عن الأزمة المالية التي عصفت، وما تزال تجتاح العديد من عواصم العالم.
الأمور باتت تزداد وضوحا وتعبر عنها إعلانات الأداء لبعض الشركات الخليجية العامة، التي مازال المواطن في انتظار نتائج الربع الأخير من هذا العام، وهي الفترة التي طالت فيها الأزمة المالية التي اندلعت حرائقها في الولايات المتحدة وانتشرت كالنار في الهشيم في سائر أنحاء العالم، فطالت العواصم الأوروبية، ما أدى إلى إفلاس دول مثل آيسلندا، وتهديد أنظمة مالية بالإنهيار مثل ألمانيا، وانتقلت من هناك إلى القارة الآسيوية التي مازلنا في انتظار آثارها خلال الفترة القربية القصيرة المقبلة.
وعلى امتداد الفترة من مطلع هذا العام (2008)، عرف العالم مجموعة متباينة من المواقف إزاء تلك الأزمة: الأول، حاول تأجيل الإعتراف بالأزمة حتى فاحت روائحها ولم يعد بوسعه التكتم عليها، وأسطع مثال عليه الموقف الأميركي، الذي لم يتردد في اتهام الآخرين بدورهم فيها، فحاول أن يقحمهم في تحمل أسباب اندلاعها، ولجأ إلى إشراك حلفائه، إقناعا وقسرا، في تحمل مسئولية انتشال اقتصاده منها.
ترافق ذلك مع تدخل مباشر من قبل الدولة التي لم تتردد في ضخ ما يزيد على تريليون دولار لتوفير السيولة المطلوبة أولا، والحد من انتشار عدم الثقة بين المؤسسات المالية العملاقة ثانيا.
الموقف الثاني، هو ذلك الذي اكتشف، وفي وقت متأخر بعض الشيء، أن ليس بوسعه تفادي انعكاساتها، وحاول، اعتمادا على نفسه مستندا بمؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد العالمي، من خلال القروض، للحد، قدرالمستطاع، من سلبياتها، وهذا ما عبرت عنه، بشكل جلي، سياسات العديد من العواصم الأوروبية مثل لندن وباريس.
الموقف الثالث، وهو المكابر الذي لم يكف عن الإدعاء بأن متانة اقتصاده وصحة سياساته، كفيلتان بتوفير الحصانة التي يحتاجها للوقوف في وجه الأزمة.
وكان هذا الموقف الذي لمسه المواطن الخليجي من دول مجلس التعاون، أومن قيادة المجلس كما عكسته قرارات لقاء الرياض الذي شارك فيه وزراء المالية، ومديرو المصارف المركزية الخليجية.
وفي بلدان الخليج، باستثناء بعض التصريحات الخجولة التي تعامت عنها، وعن قصد أجهزة الإعلام الرسمية، وجدنا شلالا متدفقا من التصريحات ينفي، وعلى نحو قاطع، تأثر المنطقة بما اجتاح العالم من زوابع الأزمات المالية، التي عصفت باقتصادات راسخة بما فيها تلك التي تسير الأسواق المنطلقة (Emerging Markets) مثل الصين والهند.
ليس القصد هنا البحث عميقا والإستعانة بالأرقام التي تؤكد إصابة الإقتصادات الخليجية بفيروس الأزمة المالية الذي بثته السوق الأميركية.
تكفي الإشارة هنا إلى بعض ما رشح من معلومات تؤكد ذلك، هذا إذا تجاوزنا البديهيات التي تقول إن العالم اليوم بات قرية صغيرة يؤثر في بعضه البعض على نحو مباشر أو غير مباشر، وإذا تغافلنا عن كون النفط، وهو المصدر الرئيسي للدخل في الخليج، هو من بين أهم السلع الإستراتيجية التي ترسم معالم العلاقات الدولية ومن بينها الإقتصادية.
وإذا قبلنا بالحقيقة التي باتت من المسلمات في الإقتصاد الحديث، بأن السيولة النقدية قد تساعد على تأجيل أية مشكلة إقتصادية، أو تضع حدا لبعض من أعراضها، لكن ليس في وسعها بأي شكل من الأشكال توفير الدواء الشافي لها.
وبما أن البحرين هي إحدى دول مجلس التعاون، بل ومن أكثرها علاقة بالإقتصاد العالمي، نظرا لكونها المركزالمالي الإقليميي للمصارف العالمية، وخصوصا الإسلامية منها، وبسبب شح السيولة النقدية المتوافرة لديها، فمن الطبيعي أن تكون أول الدول الخليجية عرضة للإصابة بموجة الأزمة المقبلة من الشمال الأوروبي، لكن عوضا عن الدخول في أي شكل من أشكال الحوار البيزنطي، لعله من الأجدى التركيزعلى التهيؤ للأزمة، والخطوة الصحيحة الناجحة لمواجهتها والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
الخطوة الأولى على طريق الوصول إلى حل لأية مشكلة هوالإعتراف بها، وإعداد المجتمع برمته، أفرادا ومؤسسات على حد سواء، ففي غياب مثل هذه المصارحة مع الذات، يصعب الحديث عن حل، ناهيك عن حل سليم
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2258 - الإثنين 10 نوفمبر 2008م الموافق 11 ذي القعدة 1429هـ