العدد 2257 - الأحد 09 نوفمبر 2008م الموافق 10 ذي القعدة 1429هـ

التاريخ يصحح نفسه: أوباما رئيسا للولايات المتحدة! (1)

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

وأخيرا فاز السيناتور باراك حسين أوباما بالانتخابات الرئاسية وأصبح أول رئيس أميركي من أصل إفريقي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية منذ نشأتها، وذلك من بعد مسيرة اضطهاد وتمييز وإقصاء مريعة لطخت تاريخ وحاضر الولايات المتحدة الأميركية والتي لطالما كان فيها الأميركيون من ذوي الأصول الإفريقية أو «الملونون» ممنوعين ومستبعدين من العديد من أبسط الحقوق الآدمية كركوب الباصات والجلوس في أي مقعد بها، أو حتى من التصويت وشرب الماء من الحنفيات المخصصة للبيض، والآن يصل رئيس أسود إلى أعلى مقعد ومنصب إداري في البلاد بأغلبية كاسحة، وكأنما هو يستحضر معه تحقيق حلم داعية الحقوق المدنية الراحل مارتن لوثر كنغ الذي قضى غيلة قبل عقود، وهو مشهد كما هو الخطاب الفصيح المؤثر الذي ألقاه أوباما سفح الدموع من عيني الناشط القس جيسي جاكسون صديق وزميل مارتن لوثر كنغ ومن أعين الملايين في مختلف أنحاء العالم!

وإن كان من إعجاب يستحق الذكر فإنه لا يقتصر فقط على وصول رجل أسود إلى «البيت الأبيض» أو هو البيت الأسود أصلا في انتخابات رغم أبعادها التاريخية المتعددة من حيث كون السباق الانتخابي هو الأطول وحملة أوباما صاحبة الموازنة الأعلى أو هي الأكثر مرونة وفعالية ونجاحا أو في منظومة سياسية واجتماعية واقتصادية محكومة بكارتلات النفط والأسلحة والمضاربين الرأسماليين، وتجعل من الديمقراطية الانتخابية سلعة لها أو ديمقراطية منخفضة المستوى بحسب المفكر الاقتصادي العالمي سمير أمين، ولكن الإعجاب يعانق ذاك البنيان المؤسسي الراسخ والفريد الذي يتيح الفرصة لأي فرد أميركي في إمكانية أن يصبح رئيسا للقوى الأعظم في العالم، وإن كان هذا الفرد أبوه مواطن كيني مسلم ونشأ وترعرع في جزر هاواي النائية بعيدا عن مراكز القوى والنفوذ السياسية والمالية الراسخة في الولايات المتحدة الأميركية كما جاء في صحيفة «النيويورك تايمز» التي عنونت واجهتها يومها «أوباما انتخب رئيسيا وسقط العائق العنصري» واحتوت على تساؤل منبهر هو «كانت لحظة رمزية مباغتة في تاريخ البلاد المشحون بالعنصرية، وهو اختراق ربما لم يكن متوقعا حتى قبل عامين فقط»!

بالنسبة لنا في هذه البقع الموحلة من العالم ليس الغريب في كون السود ينتخبون سودا، وإنما في كون البيض ينتخبون سودا، وفي قدرة أوباما على الاختراق السلس للولايات أو قل القلاع الجمهورية الحمراء التي ظلت عصية على مختلف المرشحين الديمقراطيين لعقود طويلة، وهو ما يعني أن الدافع الانتخابي ينطلق لدى الناخبين من الثقة والإيمان بالبرنامج السياسي والاقتصادي العام والمبادئ والقيم المدنية التي جاء ليجسدها المرشح وليس لدافع عرقي وعنصري أو طائفي وديني، مع العلم أن أوباما وهو أكثر أعضاء الكونغرس ليبرالية كما هو مصنف إعلاميا وذلك في بلد محافظ قد يعتبر «يمين وسط» بحسب مجلة «النيوزويك»، وهو أوباما الذي حقق رقما قياسيا في ما تعرض له في مسيرته الانتخابية على مدى العامين إلى ما لم يتعرض له أي مرشح أميركي غيره من إساءات عنصرية منحطة واتهامات استفزازية وإشاعات وتحريضات قذرة ألقت بأوساخها على شخصه تارة لكونه «مسلما» أو «عربيّا» أو «شيوعيّا» أو «صديقا للإرهابيين»، ومن يقرأ سيرته يدرك أنه إزاء رجل عصامي حقيقي شق طريقه السياسي والانتخابي غير المعبد من الصفر ولطالما ظل في ذيل قائمة المرشحين للرئاسة، وخاض منافسة ضارية ضد المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، ومن بعدها مع أكثر الخصوم فظاظة وسوقية وعنصرية ممثلا في المرشح الجمهوري جون ماكين ونائبته سارة بالين!

لقد توقع العديد ومن بينهم كاتب المقال أن تسود هذه الانتخابات لعنة «برادلي» مجددا وهي الظاهرة المستقاة تاريخيا من قصة الخسارة المتكررة لتوم برادالي وهو أول عمدة أسود في تاريخ الحاضرة الأميركية الكبرى لوس أنجليس وذلك في نهاية السباق الانتخابي على منصب حاكم ولاية كاليفورنيا أمام خصمه الجمهوري لمرتين متتاليتين في العام 1982 و1988 على رغم كون الاستطلاعات قد أظهرته فائزا بفارق كبير على خصمه، وهو ما يشير إلى دور الناخبين المترددين الذين لا يفصحون عن خياراتهم الحقيقية أو هم يفصحون بغيرها، ولو أثرت اللعنة حينها في المرشح باراك حسين أوباما لأصبح في حينها أبا حسين حقيقي ومن الدرجة الأولى أمام نداء ناخبيه المأساوي»قلوبنا معك وأصواتنا عليك»!

كما وقام أبرز وأشهر كتّاب صحيفة «النيويورك تايمز» وهو توماس فريدمان بافتتاح عموده في ذاك اليوم بهذه العبارة الملحمية «وقد شاء له أن يحدث في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، وذلك بعد وقت قصير من الساعة الحادية عشرة مساء حسب «التوقيت الشرقي» (توقيت الولايات الأميركية الشرقية) أن تنتهي الحرب الأهلية الأميركية بوصول رجل أسود هو باراك حسين أوباما، وبعد نيله أصواتا انتخابية كافية أهلته لأن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.» ويضيف فريدمان «وهي حرب أهلية وبعدة طرق انطلقت من منطقة «Bull Run» في ولاية فرجينيا في 21 يوليو/ تموز 1861 وانتهت بعد نحو 147 سنة عبر صندوق اقتراع انتخابي في نفس الولاية».

وإلى من اعتبر من القراء الأعزاء ما كتبه توماس فريدمان ليس إلا شهادة تاريخية ناقصة ومبالغة للترويج لإشعاعات «الحلم الأميركي» في بلاده، فإنه يمكننا أن نأتي له بما سطره قبل فترة الكاتب الكبير جهاد الخازن في صحيفة «الحياة»، وهو الأخير معروف بانتقاداته العميقة واللاذعة لـ»المحافظين الجدد» و»صهاينة البيت الأميركي» سواء عبر أعمدته الصحافية المميزة أو كتابه القيم عن «المحافظون الجدد»، فقد كتب الخازن قبل فوز أوباما «إذا أصبح أوباما أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، فهو سيرد لي ثقتي بالديمقراطية الأميركية التي كانت رائدة وعظيمة ومنارة للعالم حتى شوهتها إدارة جورج بوش وكادت تقضي عليها».

وسبق أن كتب المعارض المصري إبراهيم عيسى في صحيفة «الدستور» المصرية «كيني أسود من حقه أن يصبح رئيسا لأميركا، أما في مصر فلا كيني ولا مصري ولا أسود ولا أبيض لهم حق الحلم بالترشح للرئاسة، فالشرط الوحيد لأن تكون رئيسا مصريّا أن تكون ابن الرئيس مبارك… وهذا ليس الفرق بين مبارك وباراك أوباما بل هو الفرق بين الوراء… «والأمام»!

ألم يكن بإمكان رجالات النفوذ المالي والسياسي في الولايات المتحدة الأميركية أن يسوقوا ويوجهوا حشود أو قل «كتلة متحركة» من الأصوات الانتخابية المنتمية إلى تجمع عائلي أو قبلي أو طائفي أو سياسي معين للتصويت لصالح جون ماكين في إحدى القواعد العسكرية الأميركية ضد أوباما كما جاء في إحدى النكات المتداولة شعبيا، وكما حصل ويحصل في البلدان المتخلفة التي لا تحترم مواطنيها وحدودها؟!

ألم يكن بإمكانهم مثلا أن يجنسوا تلك الأصوات البيضاء أو أيا كان لونها في خلسة لكونها منقذة لأميركا من عارها الأسود و «العقاب الرباني» وأن يمنحوهم قسائم وأراضٍ في ألاسكا مثلا عند مزرعة سارة بالين؟!

ولكن ما يمنع كل تلك المساخر الحاصلة في البلدان المتخلفة هو «عبقرية التغيير الأميركية» على حد تعبير أوباما في خطابه المنتصر ذاك والمنطلق من احترام المواطن واحترام مبادئ الحرية والمساواة الأميركية، وهذه العبقرية هي التي يبدو كما لو أنها غسلت برغوتها الناعمة البيضاء سطحيّا وأنعشت سمعة الديمقراطية الأميركية التي أحط بصورتها وسمعتها الرئيس جورج دبليو بوش حينما ربط هذه الديمقراطية بخيوط «جزمات المارينز»، وذلك ما أن أعلنت نتائج الانتخابات الأميركية لتنتشر صور أوباما الباسمة ملفوفة بالعلم الأميركي من طوكيو ومانيلا وحتى جنوب لبنان ومصر وكينيا مسقط رأس والده وحتى هاواي غربا، وذلك بعد أن كان الرئيس الأميركي بوش قد حظي باحتفالات جماهيرية هجومية صاخبة ومنددة ومشيطنة لبوش تستقبله في الشارع كما هو في أستراليا وجنوب إفريقيا!

وإن كانت هوليوود قد سبق وأن منحت في أفلامها عددا من الممثلين الأميركيين الأفارقة المتألقين وعلى رأسهم الرائع جدا مورغان فريمان أدوار الرئيس الأميركي الذي يجتمع بمسئوليه في أوقات الأزمات الكونية (هل هم يقصدون وخصوصا أن حصلت مع أكثر من ممثل وفيلم والآن تحصل مع أوباما أمام أزمة مالية عالمية؟!) إلا أن تلك اللحظة التي ألقى فيها أوباما خطاب النصر في «غرانت بارك» بمدينته شيكاغو تعد أكثر جاذبية وتأثيرا ليس سوى لكونها لحظة ارتجالية حقيقية!

وإذا كان الأميركيون الأفارقة والبيض معا قد انتصروا بسقوط جدار الفصل العنصري عن الرئاسة الأميركية ووصول باراك حسين أوباما إليها، ولكن متى سينهض أوباما الفلسطيني ويعيد الأمل لأكثر شعوب الأرض والتاريخ قاطبة في تعرضه للاستعباد والإقصاء والتهجير؟! وهل ينهض ذات يوم أوباما هندي بيننا في الخليج؟!

لعلي أختم الآن بتلك الأسئلة التي تناسلت في سريرتي كهواجس نارية وأنا أتأمل خطاب انتصار أوباما، وإن كنا نتوقع أن لا يتغير أي شيء في ما يعني السياسة الخارجية الأميركية في ما يتعلق بقضيتنا المركزية الأم أي القضية الفلسطينية نظرا لكون الموقف الأميركي الصهيوني المنحاز لـ»إسرائيل» ثابت من الثوابت الإستراتيجية الأميركية، وقيام أوباما بتعيين رام مانويل وهو من أصل إسرائيلي في أرفع منصب حكومي أميركي (كبير الموظفين بالبيت الأبيض) إنما يشير إلى أن «التغيير» لن يحصل في ذاك الاتجاه تحديدا، وإن كانت هنالك اختلافات نسبية فارقة بين مواقف أوباما وماكين تجاه مختلف القضايا العالمية التي تأتي في لحظة تاريخية مفصلية جدا ستنعكس آثارها على القرن المقبل وهو ما سنوضحه في مقالنا المقبل

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2257 - الأحد 09 نوفمبر 2008م الموافق 10 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً