استقبلت عواصم خليجية، على امتداد الأيام الثلاثة الماضية رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون. وتأتي زيارة براون قبل قمة لا سابق لها لرؤساء الدول الصناعية والناشئة في مجموعة العشرين ستعقد في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، في واشنطن ويسشارك فيها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
إن الدول الخليجية، هي الأخرى، من بين ضحايا تلك الأزمة، وربما من أكبر المتضررين من ذيولها. تكفي الإشارة هنا إلى أن هذه الدول تواجه اليوم تراجعا في عائداتها التي يأتي 80 في المئة منها من النفط الذي تراجعت اسعاره اكثر من 55 في المئة في اقل من اربعة اشهر. فقد تراجع سعر البرميل إلى اقل من ستين دولارا مقابل نحو 150 دولارا في يوليو/ تموز الماضي.
لا يمكن لأحد، بمن فيهم الدول الخليجية النفطية، أن يتنصل من مسئولية المساهمة في حل المشكلة المالية التي تحولت إلى مشكلة عالمية تعصف بدول كانت يوما ما تعتبر ذات اقتصادات راسخة مثل ألمانيا والدول الإسكندنافية على رغم أن من ولَّدها هو الاقتصاد الأميركي. لكن السؤال هو بشأن كيفية المساعدة، واولوياتها، والقنوات التي ينبغي أن تضخ من خلالها.
لذلك ينبغي على براون أن يعيد النظر في تصريحاته التي مما جاء فيها ان الدول الخليجية «في وضع كدول تملك احتياطيات هائلة من الثروة يمكنها من المساهمة في إعادة تمويل استقرار النظام المالي العالمي».
أيضا، لابد أن يعترف براون وغيره، بمن فيهم المسئولون في الدول الخليجية النفطية أن الأموال، هذا إن لم تكن قد تبخرت من جراء تلك الأزمة، ليست ملك الأجيال الحالية فحسب، بل هي أيضا ملك أبناء أجيال المستقبل من أبناء الخليج، وبالتالي فعلى من يمسها أن يعي هذه المسألة جيدا. فالدول النفطية الخليجية، وانطلاقا من واقعها الاقتصادي، لا تملك من ثروة سوى سيولة متبقية من سلعة ناضبة هي النفط، ومن ثم فطالما لم نخطط، عبر مشروعات اقتصادية وبرنامج تنموية مستقبلية لتأمين مستقبل أبنائنا، فأضعف الإيمان أن نبقي لهم نزرا يسيرا مما بين أيدينا اليوم.
ثاني الأمور التي ينبغي أن يدركها براون أن الأزمة المالية شاملة ومست الجميع من دون استثناء بما فيها هذه الدول. ونحن لا نتحدث هنا عن اسعار النفط فحسب، بل أيضا عن تلك الاستثمارات الخليجية، وخصوصا التي تمت عبر الصناديق السيادية، التي تراجعت قيمها من تلك الأزمة. ومن ثم فمن الخطأ النظر إلى الدول النفطية الخليجية وكأنها صندوق توفير مغلق تكدست فيه أموال تنتظر من يفتح ذلك الصندوق ويوزع ما فيه على من تقدم الصفوف طالبا العون.
ثالث الأمور، هو لماذا ينبغي أن تتم مساهمة هذه الدول عبر صندوق النقد الدولي الذي لا تملك الدول الخليجية أية سيطرة تذكر على آلية صنع القرار فيه، وبالتالي فما هي الضمانات أن تساهم الأموال الخليجية في مساعدة الدول الأكثر احتياجا لانتشالها من أزماتها. وبوسعنا الإشارة هنا إلى أنه بينما تشكو الدول الغربية من تراجع قيم بعض شركاتها العملاقة أو حتى إفلاسها، تواجه دول إسلامية، بما فيها بعض الدول العربية، في إفريقيا وآسيا خطر المجاعة والإبادة.
رابع تلك الأمور، من الذي أعطى براون صلاحية تحميل الدول الخليجية هذه المسئولية؟ فهو لم يأت هنا ممثلا لصندوق النقد الدولي الذي لديه من يمثله، ويمتلك قنوات قائمة وكفوءة للاتصال بالدول النفطية الخليجية التي ليست بحاجة إلى براون كي ينشطها.
جولة براون تحاول أن تعيد ساعة التاريخ إلى الوراء، وأن تذكرنا بأن بريطانيا كانت الدولة العظمى المسيطرة على المنطقة ومقدراتها، ومن ثم فهي المخولة «تاريخيا» لأية علاقة يمكن أن تقوم بين دول هذه المنطقة وسائر العالم.
من حق بريطانيا، ممثلة في براون، أن تحلم بأن امبراطوريتها لاتزال «لا تغرب عنها الشمس»، ومن حقها أيضا أن تجرب حظها كي تثبت ذك لنفسها وللعالم.
وكل ما يتمناه ويرجوه المواطن الخليجي ألا يعيد التاريخ نفسه ونتحول إلى عبيد لامبراطورية لم تعد موجودة وأن ننقل لبراون طرق مساهمتنا وفقا لأولوياتنا وانسجاما مع مصالحنا
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2251 - الإثنين 03 نوفمبر 2008م الموافق 04 ذي القعدة 1429هـ