قد يختلف البعض منا عند الحديث عن حجم وآفاق صناعة المعلومات في البحرين، لكننا جميعا نتفق على أن هناك صناعة محلية للمعلومات، وربما تكون صغيرة، وقد يكون حجمها ضئيلا، قياسا بالمعايير العالمية، لكنها تبقى قائمة، وطموحة وقابلة للنمو والتطور.
تعزز مثل هذه الإدعاءات مجموعة من الثوابت يمكن تلخيصها في الشواهد الآتية:
1 - موارد بشرية مؤهلة: تمتلك البحرين، أكثر من سواها من دول مجلس التعاون، مهارات محلية عالية في هذا الصناعة، يمكن إيجادها: في إدارات تقنية المعلومات في المؤسسات الكبيرة من إدارات حكومية وشركات ومصارف، سواء المحلية منها أو العالمية التي تتخذ من البحرين مركزا لأنشطتها.
2 - استشارات الأعمال: تقوم في البحرين شركات صغيرة، من حيث حجم رأس المال، وعدد العاملين فيها، تقدم استشارات فنية متقدمة في مجال تقنية المعلومات بل والاتصالات. هذه الشركات تمتلك حصصا فيها، وتدير أعمالها نخبة من الشباب البحريني المؤهل، الذين قاموا، بفضل الخبرة التي بحوزتهم ومن خلال الشركات الصغيرة التي يديرونها بتأسيس شركات متوسطة الحجم في مجال تقنية المعلومات والاتصالات واستمروا في تقديم الاستشارات لها.
3 - تطبيقات إلكترونية متميزة: نجحت بعض الشركات البحرينية الصغيرة في تطوير حزمة برمجيات، بعضها تقليدي، لكنه ريادي، إذ نجحت إحدى الشركات البحرينية، في الثمانينيات، في تعريب برنامج التشغيل دوس DOS، وبعضها الآخر حديث ويخاطب تقنيات الويب، مثل بعض تطبيقات التعليم الإلكتروني المستخدم في جامعات إقليمية.
هذه الإنجازات البحرينية تحققت بفضل طموحات فردية، ظلت محاصرة وغير قادرة على الانتشار في الأسواق المحلية بفضل العوامل الآتية:
1 - افتقاد الرعاية المؤسسية المقننة، إذ لم تجد تلك الموارد، أو الشركات أو البرمجيات، المؤسسات المحلية التي تصغي لما قالته في المراحل الجنينية، وتأخذ بيدها في مراحل البناء والتطوير، وتساعدها في فترات الترويج والتسويق، الأمر الذي جعل منها فريسة سهلة للمنافسين، واضطرها لتقليص دائرة انتشارها، وحصرها في سوق محدودة غير قادرة على مساعدتها على التطور.
2 - صغر حجم رأس المال المتوافر: نظرا إلى كون من حقق تلك الإنجازات، إما أفرادا، أو شركات صغيرة لم تصل حتى إلى مقاس المتوسطة، فقد كانت دوما أسيرة محدودية الموارد المالية التي بحوزتها، والتي يحق لها التصرف بها، سواء لتطوير المنتج، او لتسويقه.
3 - محدودية الخبرة: اضطرار أفراد أو شركات تقنية المعلومات في البحرين، نظرا إلى افقتادها للرعاية المؤسساتية، وشح الرأس مال المتاح لها في آن، إلى التوقف عن التطوير أولا، والاكتفاء بتواجدها في السوق المحلية، بل وربما في قسم منها فقط ثانيا. هذا التقوقع المفروض عليها بفضل الظروف المحيطة بها، أفقدها أيضا، الفرصة للاحتكاك بالتجارب العالمية، بل والإقليمية في دول مثل مصر والأردن، ما حال دون إغناء خبرتها وحصرها في دائرة ضيقة تحكمها مواردها البشرية المحلية وقدراتها المالية المحدودة.
هذا الواقع المأساوي الذي عاشته صناعة تقنيات المعلومات، أرغم الناشطين فيها باستثناء قلة طليعية منهم إلى اللجوء، حاملين معهم آلامهم، إلى واحد من الحلول الآتية:
1 - الالتحاق بالوظائف الحكومية، بوصفها الملاذ الأخير الأكثر أمانا على المستويين المالي والوظيفي، واستقروا هناك متخلين عن طموحهم المهني مكتفين بما تتطلبه منهم الوظيفة الرسمية.
2 - الاستفادة المحدودة من وظائف القطاع الخاص، التي توفر هامشا أوسع مقارنة بما هو متاح في القطاع العام، لكنه يبقى في نهاية الأمر ضيقا عند الحديث عن قدرته على إشباع الطموح الذي تكتنزه مهارات تقنية المعلومات. ونجح بعض هؤلاء في التفوق وإثبات الذات في مؤسسات القطاع الخاص، وتحديدا، في القطاع المصرفي، لكن نجاحهم كان محصورا في الجوانب التنفيذية، ولم يتجاوزوها، إلا في حالات استثنائية.
3 - هجر، وهذا هو أسوأ خيار، مهنة تقنية المعلومات، والتحول منها إلى مهنة أخرى، بعضها تأسيس شركات صغيرة أخرى لا تمت بصلة من بعيد أو قريب لتقنية المعلومات، الأمر الذي أضاع على تلك الكفاءة فرص الإبداع في ذلك القطاع، وحرم البحرين من طاقة خلاقة كان يمكن، لو اتيحت لها الفرصة، أن تسهم في تطوير البلاد واقتصادها.
ذلك كان بعضا من آلام هذه المهنة وغدا نتناول آمالها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ