العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ

درس بالمعارضة من «مجاهدي خلق»

المشهد كاريكاتوري والصورة فيها الكثير من المرارة والمفارقات، والحدث لا يخلو من نظرية المؤامرة على قاعدة لعبة الأمم للمؤلف الشهيد مايلز كوبلاند أو الدول... منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة للنظام في إيران قد تذهب «ضحية» تبدل التحالفات والعلاقات بين الدول...

ولو كنت أستاذا جامعيّا لطلبت من تلامذتي أن يختاروا هذه المنظمة مثالا على مفهوم لعبة الأمم، وتبيان كيف تتغير التحالفات ويتحول فيها «العدو» إلى «صديق» والعكس صحيح... «مجاهدي خلق» من القوى السياسية المعارضة الرئيسية في إيران وهي ثاني أهم تجمع سياسي بعد حزب «تودة» الشيوعي، وأقدامه تضرب في عمق العمل السياسي المعارض أي منذ العام 1965 فماذا حصل له وإلى أين وصل بعد كل التضحيات والمواجهات والتشرد وما هي الحصيلة على الأرض؟

أحدث التطورات تقول إن الحكومة العراقية اتخذت جملة من القرارات ضد «مجاهدي خلق» والتي تعتبرها «منظمة إرهابية» عليها أن تخرج من العراق وتبسط السلطة سيطرتها التامة عليها وترفع القوات الأميركية يدها عنها وتسلم نقاط السيطرة وكل ما يتعلق بشئون أفرادها إلى الحكومة العراقية.

أنصار المنظمة رفعوا الصوت عاليا من إتمام هكذا خطوة وأبدوا تخوفهم من «صفقة» غير معلنة بين القوات الأميركية وحكومة نوري المالكي والتي تتعرض بدورها لضغوط من طهران تحثها على التعجيل بالتخلص من معسكر «أشرف» الذي يبعد عن بغداد نحو 70 كلم ويقع في محافظة ديالى والقريب من الحدود مع إيران وفيه نحو 3500 فرد بين رجل وامرأة وطفل ينتسبون إلى ما تبقى من أفراد المنظمة.

الخوف يعود إلى أن الحماية التي كانت توفرها لهم القوات الأميركية منذ احتلالها للعراق العام 2003 لم تعد موجودة بل أبعد من ذلك فقد ذهبت منظمة محامين دولية تدافع عن «مجاهدي خلق» للقول إن أميركا تخاطر بحدوث مجزرة شبيهة بالتي وقعت في سربينيتشا في البوسنة والهرسك في حال تم تسليم معسكر أشرف إلى القوات العراقية (يذكر أن سربينتشا شهدت مذبحة لنحو ثمانية آلاف من المسلمين البوسنيين على يد قوميين متطرفين من صرب البوسنة العام 1995).

يبدو أن مصير «مجاهدي خلق» قارب على السقوط بعد أن بلغت التسوية آخر مراحلها وفي طور التنفيذ على الأرض... ولهذا فقد سبق إعلان الحكومة العراقية حملة إعلامية قامت بها المنظمة في فرنسا وبريطانيا تحذر فيها من اقتراب «كارثة إنسانية» إذا تمت الصفقة. من جانبها قالت الحكومة العراقية إنها لا تنوي طرد أفراد المنظمة أو إخراجها قسرا وإنما «تشجيعهم» على المغادرة إلى أية دولة تقبل لجوءهم أو عودة من يرغب منهم إلى إيران وفي مهلة لا تتعدى ستة أشهر!

إذن المشهد اكتمل ولم يعد يحتمل التأويل أو الاجتهاد، فليس لدى الإدارة الأميركية من موانع إذا اقتضت مصالحها أن «تبيع» حلفاءها ولمن يرغب ولديها سوابق في هذا المجال فالشاه محمد رضا بهلوي بعد إخراجه من طهران راح يبحث عن دولة تأويه كتب مذكراته في حينه وقال جملته الشهيرة «لقد رموا بي الأميركان خارج بلادي كمن يرمي القطة فأرا»!

قد يكون هذا الكلام فيه استعجال لكن لا بأس لندع الأحداث تنبئ عن نفسها ونعيد قراءة المشهد من الوراء.

الحكومة العراقية تقول إن وجود المنظمة على أراضيها فيه انتقاص من السيادة وإنها تتدخل في الشأن العراقي وتستقطب نوابا وقياديين مناوئين لحكومة المالكي ولإيران وبالتالي تخلق أجواء انشقاقية داخل المجتمع وإنه من غير المقبول أن تبقى على الأراضي العراقية وخاصة أنها تستخدمها ضد أراضي دولة جارة هي إيران وهو ما يجعلها عرضة للتوترات والمساومات، طبعا القوات الأميركية تبرر هذا الوجود بالقول إن «المجاهدين» في معسكر «أشرف» تخلوا عن السلاح بعد انتهاء العمليات العسكرية في حرب 2003 وباتوا يتمتعون بوضع المحميين تحت البند الرابع من اتفاقية جنيف وهم خاضعون للقانون الدولي...

أميركا لا تتنصل من اعتبار مجاهدي خلق منظمة إرهابية منذ العام 1997 لكنها تميز بين «المنظمة» و«الأفراد»!، وتفصل بين مرحلتين، مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق والحاجة إلى هذا النوع من المعارضات ومرحلة ما قبل 2003 وفي ذلك مفارقة مكشوفة.

ومثلما لجأت الإدارة الأميركية في حربها المفتوحة مع إيران لاستخدام الأقليات والقوى المعارضة للنظام والمجموعات المنشقة فعلت طهران الشيء نفسه عندما وظفت علاقاتها مع قوى ومجموعات عراقية محسوبة عليها بالمواجهة وكلما اشتد الصراع لجأ الطرفان إلى تلك القوى لكن عندما يدخلان في لعبة المساومات هنا تبدأ القصة المأساوية.

وعودة مرة ثانية خطوة إلى الوراء ففي شهر أبريل/ نيسان العام 2003 وقعت الإدارة الأميركية أول اتفاق من نوعه مع منظمة «إرهابية» بموجبه وافقت القوات الأميركية على ألا تدمر أو تعطب أياّ من آليات «مجاهدي خلق» وأجهزتها وألا تدمر أو تعطب أيّا من ممتلكاتها في معسكراتها المسلحة في العراق وألا تقوم القوات الأميركية بأي تصرف عدائي إزاء القوى الإيرانية المعارضة المشمولة بالاتفاق مقابل تعهد المنظمة بألا تطلق النار أو تقوم بأي تصرف عدائي تجاه القوات الأميركية وفي هذا مدعاة إلى السؤال عن الصدقية في الحرب المعلنة ضد الإرهاب!

«فمجاهدي خلق» متهمة بأنها من ألد أعداء النظام الأميركي ولهم معه صولات وجولات فقد قتلوا عددا من الجنود الأميركيين والمدنيين في عقد السبعينات، كما أنهم دعموا احتلال السفارة الأميركية في طهران العام 1979 وهذا ما دفع وزارة الخارجية الأميركية إلى إضافتهم إلى لائحة المنظمات الإرهابية العام 1997!

بعد ذلك تعرض مقر المنظمة إلى المداهمة في باريس العام 2003 من قبل المخابرات الفرنسية بعدما أصبحت تشكل «خطورة» لأنها «متطرفة» و«غنية» ولديها حسابات مالية ضخمة، إضافة إلى أن الإدارة الأميركية كانت تتخوف من أن تتحول إلى إدارة لمصلحة الرئيس العراقي صدام حسين تقوم بعمليات إرهابية بحسب ما أوردته الصحافة العربية الصادرة في لندن آنذاك نقلا عن المخابرات الفرنسية.

لكن الجانب الآخر من الصورة يكمن في التناقض القائم بين العلاقة بين العراق والمنظمة من جهة وبين إيران والمنظمة من جهة أخرى.

المعلومات تقول إن «مجاهدي خلق» تأسست العام 1965 بهدف إسقاط نظام الشاه وعندما بدأت الانتفاضة الشعبية بقيادة الإمام الخميني ضد حكم بهلوي والأميركان الذين يدعمونه وبكونه حليفاَ إستراتيجيّا لهم كانت «مجاهدي خلق» من المجموعات التي ساهمت وشاركت في المواجهات التي تحققت بقيام الثورة الإسلامية العام 1979 وطردت الشاه من إيران وتسلمت مقاليد السلطة، بعدها بسنة أي في العام 1980 وتم ترشيح مسعود رجوي من قبل القوى المعارضة للانتخابات الرئاسية لكن الفراق وقع والطلاق حصل بين الإمام الخميني وقيادة مسعود رجوي الذي أعلن إنشاء «المجلس الوطني للمقاومة» من طهران في يوليو/ تموز 1981 غادر بعدها متوجها إلى باريس على متن طائرة عسكرية كان من بين طاقمها العقيد بهزاد معزي، الذي أصبح فيما بعد أحد أعضاء «مجاهدي خلق».

من مطلع الثمانينات وحتى العام 2003 التجأت المنظمة إلى صدام حسين ولم يكن أمامها من خيارات للتحرك سوى الساحة العراقية التي احتضنتها في وقت كانت هي بحاجة إلى قوى مناهضة للنظام الإسلامي الذي تخوض معه حربا مدمرة طالت نحو ثماني سنوات (1980-1988) وكان الرد العراقي على مطالبات أميركا بضرورة عدم إيواء منظمات إرهابية على أراضيها القول إن «مجاهدي خلق» منظمة وطنية إيرانية معارضة، تستضيفهم في العراق كناس وطنيين، أما أن تقول أميركا عنهم إرهابيين فإن أميركا نفسها بلد الإرهاب، هكذا تحدث وزير خارجية العراق السابق محمد سعيد الصحاف إلى صحيفة «الحياة» العام 1997، والمنطق العراقي إياه، مثلما تحتضن إيران مجموعات من العراقيين الهاربين الذين يعملون ضد النظام في بغداد نحن كذلك نساعد المعارضين الإيرانيين!

بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية فتح ملف التطبيع بين الدولتين وشكلت خمس لجان رسمية للنظر في المسائل المعلقة من بينها موضوع الأسرى والمعارضة التي يدعمها كل بلد ضد الآخر وكانت «مجاهدي خلق» ضمن الصفقة ولسان الحال يقول: أوقفوا دعمكم لها نوقف دعمنا للمعارضة الإيرانية!

لو كان في إيران نظام ديمقراطي بعد الشاه، لكان من شأنه الحيلولة دون وقوع حرب الثماني سنوات ووصول مسعود رجوي إلى الرئاسة أو حتى مريم التي انتخبت العام 1993 رئيس جمهورية الظل بانتظار أن تتسلم الرئاسة الفعلية للجمهورية الإيرانية في حال نجاح مخطط التغيير... تلك أمنية عبَّرت عنها مريم رجوي في التسعينات بحديث صحافي لمجلة «الحوادث اللبنانية»... سيكون من العسير اليوم معرفة بماذا تفكر... هل بالعودة إلى طهران والعمل من الداخل على مرارته وصعوبته واستحالته ربما... أم بالندم على خروجها وأنصارها منها لتتحول إلى «ضحية» على أرض الواقع في لعبة الأمم تناوب عليها ثلاثة أنظمة، العراق وأميركا وإيران

العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً