من ضمن الأمور الإيجابية التي حققتها زيارة عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لألمانيا، مقترح جلالته «إنشاء جامعة ألمانية في البحرين»، ودعوة جلالته إلى «إبرام اتفاقية للتعاون في مجال الثقافة والتعليم بين البلدين».
لفتة إستراتيجية تلك التي أولاها صاحب الجلالة لقطاعين مهمين يحتاج إليهما التأسيس لأية علاقة متينة قابلة للتطور والاستمرار بين بلدين من نمط مملكة البحرين وألمانيا وذلك لسببين:
أولهما، حاجة البحرين إلى مدرسة ثقافية وتعليمية مختلفة عن المدرستين البريطانية والأميركية، وهما السائدتان بفضل ظروف تاريخية مصدرها العلاقات بين البحرين وكل من واشنطن ولندن، ناهيك ما للغة الإنجليزية من دور في تدشين تلك العلاقة في مراحلها الجنينية، وتطويرها وتعميقها في مراحل لاحقة.
ثانيهما، تميز المدرسة الثقافية والتربوية الألمانية، عن مثيلتيها الأميركية والبريطانية، من حيث المضمون، ناهيك عن طرق التدريس ومداخله، ولعل أحد معايير ذلك التميز، هو تلك النكهة الخاصة التي تتمتع بها مدرسة الاستشراق الألمانية عن سواها من مدارس أنغلو- أميركية أو حتى آسيوية.
هذه النظرة المستقبلية الباحثة عن التنوع والراغبة في فتح أبواب البحرين واسعة أمام مختلف الرياح الحضارية، على أهميتها وضرورتها، لكنها محفوفة بالمخاطر عند التطبيق، الصادرة عن عوامل كثيرة من بين أهمها:
1 - المترتبات المالية التي سوف تتحملها حكومة البحرين لقاء موافقة ألمانيا على فتح جامعة بشكل مباشر، أو تخويل جهة تعليمية بحرينية فتح فرع لجامعة ألمانية في البحرين. إثارة هذه المسألة مصدرها مشاهدتنا للكثير من الدول المجاورة التي دفعت مبالغ فلكية كي تضمن حق تأسيس جامعات أجنبية على أرضها. وكلنا ندرك، وفي مقدمتنا صاحب الجلالة، إمكانات البحرين المالية المحدودة، مقارنة بدول الجوار النفطية، ناهيك عن أولويات أخرى مثل السكن ومواجهة غلاء المعيشة، التي تأتي في سلم الأولويات مقارنة بفتح جامعة ألمانية.
2 - مدى حاجة البحرين إلى جامعة، وليس معاهد تدريب فني أو تأهيل مهني، التي هي واسعة الانتشار في ألمانيا، وتغطي مروحة من التخصصات من بين أهمها تلك التي تغطي قطاعات مثل تقنية الاتصالات والمعلومات والصحة. وإذا كانت هناك حاجة لتأسيس جامعة ألمانية، فمن الطبيعي أن تبرز أمامنا علامة استفهام بشأن ما هي الكليات التي سوف يحتضنها الحرم الجامعي الجديد؟
3- الخشية من ألا يتعدى فتح هذه الجامعة إضافة كمية، عوضا عن كونها نقلة نوعية، وبالتالي تتحول الجامعة، وبوعي أو من دون وعي، إلى رقم جديد، ليس ذي جدوى حقيقية، إلى قائمة الجامعات التي باتت تعج بها، بل وتضج منها، مملكة البحرين. لذلك فمن الضرورة بمكان تميز هذه الجامعة، عن سواها من الجامعات القائمة اليوم في المملكة، من حيث التخصص، ومناهج المواد المقررة، وأساليب التدريس والإدارة، كي تشكل هذه الإضافة نوعية، وليس الكمية فحسب، مكسبا يبرر الأموال التي ستخصص لها، والموارد البشرية التي ستلتحق بها.
4- مستقبلية التحديد، كي يتناسب ومستقبلية الاختيار، بمعنى أن يكون اختيارنا للتخصص الذي سيدشن تأسيس الجامعة يأتي متكاملا مع الخطة التنموية الإستراتيجية 2030، ويصب في طاحونة برامجها، كي لا تأتي الجامعة عنصرا نشازا بعيدا عن تلك الخطة التي ستحكم المسيرة خلال ربع القرن المقبل.
5- ضمان استمرارية التطور وتقليص عوامل الجمود أو التحجر، كي لا يتحول افتتاح الجامعة الألمانية إلى تظاهرة احتفالية، يتلاشى دور الجامعة وأهميتها رويدا رويدا، فتتحول إلى مبان صماء خالية من أي محتوى يحتضن رواده ويصدرهم كموارد بشرية مؤهلة قابلة للتطور بفضل الخلفية العلمية التي اختزنوها والقاعدة المهنية، في حال المعاهد، التي يستندون إليها.
وطالما نحن نتناول قطاعي التعليم والتأهيل، فنرى من الضرورة لفت نظر من سيتولى تحويل هذه الدعوة إلى مشروع تربوي ناهض أن يراعي الأمور الآتية:
1- حاجة البحرين الماسة، من الآن وحتى العام 2030 إلى أيد فنية ماهرة أكثر من حاجتها إلى أفواج من حملة الشهادات الجامعية التي تشكل عبئا كبيرا على الموازنة التعليمية من جهة، وطاقة عاملة كامنة غير قادرة على الانخراط في سوق العمل، الذي باتت احتياجاته مغايرة لتك التخصصات التي يحملها هؤلاء الخريجون.
2- تحديد الجهة التي ستتولى إطلاق هذه الجامعة وتتحمل مسئولية تشغيلها ومراقبة أدائها. هل ستكون هذه الجامعة من نصيب القطاع الخاص، أم ستكون فرعا لجامعة البحرين، أم ستكون جامعة مستقلة تابعة إداريا وماليا إلى وزارة التربية والتعليم.
وفي كل الأحوال لابد من بناء وتشغيل صمامات الأمان التي تضمن أداء الجامعة على الوجه الأفضل، كي يأتي مواكبا، ويسير جنبا إلى جنب، مع التطور الذي من الطبيعي أن تشهده المؤسسات التعليمية الألمانية الأخرى العاملة في ألمانيا.
وإلى أن نشهد ولادة تلك الجامعة، التي نأمل أن تكون قريبا، لا نملك سوى الإشادة بهذه الخطوة التي تخطوها البحرين على الطريق الصحيحة، نحو مستقبل علمي متطور ديناميكي قادر على المنافسة في أسواق المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ