تتصف كل الأمور والقضايا الحياتية والإنسانية بأنها كقضيب من حديد يملك طرفين، يتشابه كليهما على أنه طرف، والتمسك به يعد تطرفا، سواء كان ذلك في الجانب السلبي من القضية أم الإيجابي، فيما الاتزان والاعتدال نجدهما فيمن يسيطر بقبضته على المساحة المتوسطة، فيقي نفسه أن ينجرف إلى أحد الطرفين بما فيه من عيوب على حساب محاسن ومزايا قد تكون موجودة في الطرف الآخر.
وعلى غرار ما تصوره الأفلام الأميركية من قصات شعر، مأكل وملبس وتصرفات وطريقة قيادة السيارات المتهورة، إضافة لنمط الموسيقى الصاخب، فإن الكثر من الجيل الحالي بدأوا بالتأثر والانجراف مع ما تنقله هذه الأفلام من صور وطباع تلك الشرائح الدنيوية من تلك المجتمعات، وبات الجميع ينظر إليهم على أنهم نماذج لتأثيرات الغرب، وأخذوا منهم موقفا مساويا في القوة ومضادا في الاتجاه، وذلك من الاعتزال للأصوليات والقيم والأعراف المجتمعية، وهو ما يعد حميدا إلا إذا تطور الأمر لمرحلة نبذ كل ما يأتي من الغرب ورده من حيث أتى وهو على أعتاب المدينة.
الفكرة هنا تبدأ من إحدى الرسائل الإلكترونية، التي تذهل قارئها بالكم الهائل من الهموم التي قد ينشغل بها أي شخص حتى يبدأ في تحريم وتجريم أشياء مسلّم بأن لا داعي لنقاشها، وذلك حينما تعرض تلك الرسالة فتوى بتحريم استخدام الكرسي وذلك «أن هذه الكراسي وما شابهها صناعة غربية وفى استخدامها ما يوحى بالإعجاب بها وبصنّاعها وهم الغرب»، أو فتوى بتحريم النطق باللغة الإنجليزية لأن «اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ولا يصح لمسلم التكلم بغيره، والذي أراد أن يعلم ابنه اللغة الإنجليزية منذ الصغر سوف يحاسب عليه يوم القيامة لأنه يؤدي إلى محبة الطفل لمن ينطق بها من الناس»!
نبذة أخرى من ذلك البريد، وحقيقة جميع هذه الأمور في رقبة المنشئ الأول للرسالة، يحرم فيه تبادل الزهور في المستشفيات، فيما كان طامتهم الكبرى في نص يقول كما جاء حرفيا «إن القول بدوران الأرض قول باطل والاعتقاد بصحته مخرج من الملة لمنافاته ما ورد في القرآن الكريم من أن الأرض ثابتة قد ثبتها الله بالجبال أوتادا، قال تعالى: «والجبال أوتادا» وقوله: «وإلى الأرض كيف سطحت» وهي واضحة المعنى، فالأرض ليست كروية ولا تدور كما بين لنا الله سبحانه وتعالى».
فيا خيار العقلاء، أي هذين النوعين من التطرف تجدونه لائقا في أمة العلم والحضارة؟ أنصدّ عما يأتينا من علم الغرب وخيرات فكرهم، ونفتح الأبواب ترحابا وحبا للهوهم ولهزلهم؟
إقرأ أيضا لـ "علي نجيب"العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ