ناس وناس، عنوان مثير وشائق يصلح لأنْ يكون اسما لبرنامج تلفزيوني أسبوعي من المتوقع أنْ يكون ناجحا وله جمهوره ومحبوه المتابعون إليه والمتفاعلون معه؛ لكون العنوان يستوعب الكثير من المتناقضات والكثير من المحتويات التي من شأنها أنْ تثري البرنامج وترضي طموح متابعيه.
ناس وناس قد يحمل العنوان رسالة وطنية مهمة أيضا من الواجب علينا أنْ نحاول إيصالها للوطنيين المخلصين والمهتمين ولكلّ مَنْ يهمّه مصلحة الوطن كلّ الوطن بلا رتوش وبلا إطناب.
ناس وناس، عنوان استوحيته مباشرة من بعد ما قرأت رد الحكومة التي تقول كثيرا وتقطع على نفسها الكثير من الوعود دون تفعيل لما تطلقه من شعارات، فالحكومة تصرف من طاقتها الكثير في طرح شعارات براقة من دون أنْ يكون لها وجود على الأرض، والتي دائما تحب أنْ تجمّل من صورتها، ومن واقعها أكثر مما ينبغي، وكأنّ المواطن الغلبان الذي يشكو همومه وأوضاعه المعيشية يهذي، وكلّ همّه طرح المهاترات والمزايدات على الحكومة.
ناس وناس، كما قلت لكم ألفته على أثر خلفية القرض الحسن للمشروع برغبة المقدّم من مجلس النوّاب إلى الحكومة والذي مفاده إعطاء قرض حسن لكلّ مواطن مستفيد من وحدة سكنية بقيمة 5000 دينار للعمل على تجهيز وتهيئة الوحدة.
وبهذه المناسبة لا يفوتني أنْ أصف حال الشد والجذب بين الحكومة ومجلس النوّاب على رغم التوجهات العامّة بضرورة التنسيق والتعاون بين السلطتين، فإننا نجد الحكومة بحسب المقترح أعلاه وكالعادة جاء بمنتهى البرود على رغم تشدقها الدائم بحرصها الكبير على التيسير للمواطنين وأنّها لا توفر جهدا من أجل توفير الحياة الكريمة للمواطن، ولكنها دائما تتعذر بقلّة الإمكانات المادية إلى جانب الموازنات الموفرة وكأنها في بلد فقير يعيش على الماء والخبز.
الغريب هذه المرة رد الحكومة الذي لا يخلو من وجود المنة والأذى والمزايدات التي تزيد المواطن البائس بؤسا وشقاء فحينما تتشدق بالشعارات وتدغدغ مشاعر المواطنين، على رغم عدم جديتها فإنهم لربما يشعرون بالاطمئنان ولكنها عندما تستخدم أسلوبا غريبا يفضي بتعداد ما يتم تقديمه للمواطن على رغم كونه لا يتعدى فتات الفتات يلقى على الأرض لهم كي ينقضوا عليه لتناوله بعكس ما يحدث حولنا في البلدان الأخرى حيث الهبات والإعانات الكبيرة التي لا تعد ولا تحصى والتي لا يحتاج حينها الإنسان أنْ يذل أو يجف ماء وجهه كي يحصل عليها.
ولسنا بمنأى عن العالم ومازلنا نتلقف التطورات الإيجابية، خصوصا فيما يتعلّق بالملف المعيشي، ففي الوقت الذي تحاول بعض البلدان أنْ تشتري ديون وقروض مواطنيها والتي لا تقدر بثمن رغبة منها في تحسين أوضاع مواطنيها المعيشية وتوفير الحياة الكريمة لهم، تزايد حكومتنا علينا اليوم بتقديم قروض حسنة وليست عطايا قرض وليس هبة، سيتم تسديده لها مرة أخرى، الفرق أنه بلا أرباح لمساعدة المواطن الفقير بدلا من اللجوء إلى المصارف التي لا ترحم أحدا من الأرباح.
الحكومة كانت تعتقد أنّ القروض التي يرغب المواطن في الحصول عليها كانت تتجه لشراء المراوح والسخانات والمصابيح الكهربائية بيد أنّها لم تقصر، فهي اليوم توفر كلّ تلك الخدمات مع الوحدة السكنية فلم يعد هناك حاجة أصلا للاقتراض.
برميل النفط ارتفع أو انخفض لا يعني لنا الكثير فعندما ارتفع لم نرَ من ارتفاعه أيّ شيء يدل على إيجابيته ولكننا سنتضرر كثيرا من انخفاضه، إذ إننا سنشعر بالملل من تكرار العبارة، الوضع المالي العالمي مهدد فهو غير مستقر وأنّه في هبوط مستمر وبالتالي فإنّ الوضع الاقتصادي للبلد لابد أنه يتأثر.
الحكومة تتعذر اليوم بأنّ القرض الحسن الذي قدّمه مجلس النوّاب مشكورين سيؤثر على برامج الإسكان؛ لكون موزانته هو الآخر شحيحة وتعاني من الحاجة والعوَز وبالتالي لا تستطيع حل مشكلتها حتى تحل مشكلة أخرى، طبعا التعليق «عذر أقبح من ذنب» فإذا كانت وزارة الإسكان لا تستطيع أنْ تحسّن من خدماتها والتي تقدّمها إلى المواطنين وتجني من ورائها الشيء الكثير، ومع ذلك تتعذر حينها الحكومة بأن موازنتها غير كافية في حين أنّ النوّاب أنفسهم يُطالبون بزيادة موزانة وزارة الإسكان للايفاء بمتطالباتها والاحتياجات الإسكانية الملحة التي تزيد يوم عن يوم حتى أصبحت أحد أبرز المشكلات المعلقة لدينا.
ألم أقل لكم أن هناك « ناس وناس» فناس ليس لها غير الحلم تحلم فيها بالقدر الذي تشبع فيه، وناس عليها أنْ تحقق أحلاما وأحلاما من دون عناء الحلم ومشقته، فهناك أراضٍ شاسعة لأناس لا يحتاجون إلى بنائها أو العيش عليها، وهناك آخرون يحلمون بأنْ يكون لهم بيت يستقرون فيه ويعيشون فيه بقية حياتهم بلا منغصات، أصبحنا نحمل هما كبيرا على ظهورنا، وفي عقولنا فهل يا ترى سيكون لنا قبر إذا متنا والموت حق والخوف من اليوم الذي سيأتي اليوم وتنقص فيه أكثر وأكثر حينما تغص المقابر بالموتى ولا نجد أرضا لدفن موتانا فيها؟! ذلك قمّة الحرمان فلا أرض يمتلكها في حياته وأصبحت باسمه وخلفا لخلفه ولا أرض تضمه حين يلقى على التراب في حين أصحاب الأراضي الشاسعة ماذا سيأخذون معهم في قبورهم؟ فلماذا الجشع والطمع؟ فقط لكون الموضوع يستوعب « ناس وناس» ؟!
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ