امتدادا لتقديم علم البرمجة اللغوية العصبية الـ (NLP)، وربطه بأحوال المجتمع الذي يجهل جمهور ممتد حقيقة كثير من الأمور المهمة والمرتبطة بين هذا العلم العميق وبين الأحوال المتردية التي يعيشها الكثيرون كنتيجة للشحن السلبي والطاقة التي تستنزفها العبارات والأفكار التقليدية التي يولد معها الإنسان وتنعكس لتصبح واقع الحياة التي يعيشها.
ومن باب التوسع نتطرق إلى قضية الصندوق، وهي تُعَدُّ إحدى أهم الصور المجتمعية التي أثراها الجهل وقلة الخبرة في المجالات التربوية والنفسية، والتي أخذ المجتمع بتكرارها كتجارب وأفكار، معززا من خلالها حالة ركود وخمول ذهني لدى المرتبطين به كافة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو المهني وغيرها.
الصندوق، هو أحد التصورات لحالة يخضع لها الشخص في إحدى مراحل حياته، وهي قد تبدأ في الأسرة أو المدرسة أو حتى في محيط العمل، رغم أن أكثرها هو المرتبط بالأسرة، إذ تأتي فكرة الصندوق في وضع الشخص ضمن ظروف وأفكار معينة، تحده كجدران صندوق، دون السماح له بتجاوزها وحسب، بل إن من الممنوع عليه حتى النظر من فوقها، ويظل مع ذلك الحال الشخص حبيس أفكار مختلفة، وذلك كالمرتبط منها بمستقبل وظيفي معيَّن أو قناعات اجتماعية أو سياسية أو حتى أخلاقية، وكل ذلك يجعل من الشخص متقوقعا ضمن تلك الجدران، وتساهم مع ذلك حالة الاسترخاء والرضا في ترسيخ هذه الأفكار، ما ينتج عنه تبلد نوعي في النشاط الذهني لديه.
المثال هنا لو افترضنا أن شخصا قد وُلد وسط أسرة أو مجتمع يحيطه بفكرة أن مستقبله مرتبط بدراسة الطب، فإن العقل بطبيعة الحال سيبدأ بالتجاوب مع الأفكار والرسائل التي تصله ممن حوله، فيسعى عقل الموعود بالطب للتكيف كي يستوعب أن يكون طبيبا يتطلب عمله نشاطا ذهنيا عاليا، فيما ينكفئ نشاط عقل المحاط بأفكار التجارة - كون والده تاجرا - بأن يرث تجارة أبيه من بعد وصوله إلى مرحلة ما، كما أن من يعمل قريبه في المكان الفلاني فإنه وبدافع الطمأنينة يشعر بأن قريبه لن يخذله، وسيستطيع من خلال الواسطات أن يصل للعمل هناك حتى دون الحاجة إلى التركيز على الدراسة.
وتبقى الصور الجميلة التي تصورها المسلسلات عن ابن الفلاح الذي أصبح طبيبا كبيرا أو وزيرا أمرا حقيقيا، لكنها حالات لم تتعرض للحبس في الصناديق، أو أنها تحدّتْ ما هو قائم أمامها من جدران، وانتهكت خصوصية ما هو خارج الحدود المرسومة لها، ما تجلى عنها مثل هذه الحالات التي لا نرى منها الكثير مؤخرا، وذلك لأن من يبني جدار الصندوق أصبح يحكمه بسلاسل من حديد.
إقرأ أيضا لـ "علي نجيب"العدد 2245 - الثلثاء 28 أكتوبر 2008م الموافق 27 شوال 1429هـ