إن كان لنا أن نلخص حوارات ونتائج الاجتماع الاستثنائي لوزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية الخليجيين الذي عقد يوم أمس الأول (السبت)، لتدارس الأزمة المالية التي تمر بها الأسواق المالية العالمية واتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة أية آثار محتملة، فبوسعنا، وكما جاء على لسانهم ونقلته وكالة الأنباء السعودية (واس) القول: الثقة في استقرار القطاع المالي بناء على ما «يتمتع به من ملاءة ومتانة إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المحلية الجيدة». استمرار نمو اقتصادات دول المجلس بمعدلات جيدة مع استمرار مخصصات الإنفاق على المشاريع التنموية. تسارع وتيرة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية. صرامة أنظمة الرقابة المصرفية، توفر «درجة عالية من السيولة وكفاية رأس المال». سلامة الإجراءات التي تم اتخاذها «للتعامل مع أية آثار محتملة للأزمة المالية العالمية والاستعداد لاتخاذ أية إجراءات إضافية».
وبعد إنتهاء أعمال الإجتماع أشاد وزير المالية السعودي ابراهيم العساف، بمعدلات «النمو الجيدة المتوقعة خلال العام 2008» والتي «ستتراوح بين 4 في المئة و6 في المئة، مضيفا أن «مما يعزز ذلك عزم دول المجلس على الاستمرار باتخاذ السياسات الاقتصادية المحفزة للنمو من استمرار الإنفاق على المشروعات الهادفة إلى رفع الإنتاجية والطاقة الاستيعابية وتعزيز دور القطاع الخاص». وقد سبق العساف إلى طمأنة المواطن الخليجي بمتانة اقتصاده، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبدالرحمن العطية معلنا بأن «الاجتماع سيناقش آليات التنسيق والتعاون اللازمة لحماية اقتصاد دول المجلس من آثار الأزمة المالية العالمية والمحافظة على الوتيرة الإيجابية للنمو الاقتصادي لدول المجلس بما يعزز ويؤكد الثقة في الأسواق الخليجية». مؤكدا بأن «تداعيات الأزمة المالية على الأسواق المالية في دول المجلس غير مبررة ولاتعكس النتائج الإيجابية للشركات ولا الأداء الاقتصادي الجيد في دول المجلس، ما يؤكد أن أسواق المال بدول المجلس هي في الاصل بعيدة عن الجذور الحقيقية للازمة».
بودنا أن نصدق ما خرج به المسئولون من تطمينات تبعث على التفاؤل، لكن الدراسات المستقلة تقول خلاف ذلك. فقد جاء في دراسة قامت بها مؤسسة «الكونفرنس بورد» وهي منظمة للأبحاث والأعمال العالمية بالتعاون مع «مؤسسة الخليج للاستثمار»، وهي مؤسسة مالية اقليمية رائدة في صناعة المال والاستثمار أنشئت في العام 1983 وتملكها بالتساوي حكومات الدول الست أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بعنوان «النمو خارج نطاق النفط»، ونشر ملخصا لها موقع «محيط»، أن «مستويات الانتاجية في اقتصادات منطقة الخليج العربي متواضعة أو متدنية مقارنة بمناطق أخرى في العالم كما أن الاعتماد الزائد على النفط والغاز يشكل تهديدا لمستقبل النمو الاقتصادي في المنطقة... وأن معدل الانتاجية في الساعة الواحدة قد تراجع نسبيا بمعدل 0,2 في المئة في دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2000 و2007 بعد استثناء قطاع النفط والغاز ... وأن دول الخليج تنفق كثيرا من عائدات النفط والغاز على قطاع البناء والعقارات الذي يتميز بإنتاجية منخفضة ولكنه يعطي انطباعا ظاهريا بالرفاهية الاقتصادية ... وأن دول مجلس التعاون الخليجي تمتعت بنمو اقتصادي مرتفع في السنوات الماضية بمعدل 5,1 في المئة سنويا منذ 2000 لكن ذلك يعود إلى الزيادة في القوة العاملة (وخصوصا المستوردة) ولا يعكس زيادة في الإنتاجية».
وللعلم، فإن هذا الكلام جاء في مطلع العام 2008، أي قبل تفاقم الأزمة، وانتشار عدواها خارج الولايات المتحدة.
تقرير آخر أعدته مؤسسة ميريل لنش في مطلع هذا العام يتوقع أن «يتآكل فائض ميزان المدفوعات لدى الدول الخليجية بأكثر من 75 مليار دولار العام الجاري، وذلك لازدياد الواردات وارتفاع معدل الإنفاق على المشاريع الضخمة، على أن يصل متوسط نمو المنطقة للفترة 2008 - 2009 إلى 5,7 في المئة».
وحذر التقريرمن عنصر تآكل آخر هو التضخم الذي سيشكل، وفقا لتوقعات التقرير»التحدي الأبرز لدول المنطقة، وخصوصا مع استمرار أزمة الطلب الكبير على العقارات في دول مثل قطر الإمارات، واضطرار دول الخليج لاقتفاء أثر واشنطن على صعيد أسعار الفائدة».
تقرير مستقل ثالث صادر عن شركة المركز المالي الكويتي، توقع تعرض الإقتصاد الخليجي إلى إنتكاسة من جراء «تراجع الأسواق الخليجية»، وأرجع ذلك إلى عدة عوامل أبرزها «خروج المستثمرين الأجانب، وشح السيولة، ومخاوف انخفاض الأرباح، وانهيار الأسواق العالمية وتدهور أسعار النفط»، مستعينا في إثبات ذلك بالتدهور الذي لحق بأسهم أسواق دول مجلس التعاون التي فقدت «17 في المئة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، وهي أعلى خسارة شهرية، أو نصف شهرية حتى الآن»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2243 - الأحد 26 أكتوبر 2008م الموافق 25 شوال 1429هـ