بما أن القضاة مكلفون باتخاذ القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم، وحيث مفهوم استقلال القاضي أن يكون وهو جالس للحكم بين الناس غير خاضع لأي شيء إلا الضمير والقانون الذي يطبقه, وأن يتحرر من أي ضغوط سواء كانت مادية أو معنوية، تكون إرادته حرة غير متأثرة بأي اتجاه من الاتجاهات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، وأن يكون بمستوى اقتصادي من حيث مرتبه ومخصصاته كيلا يؤثر على إرادته, بالإضافة إلى أن يكون متحررا تماما من أية ضغوط مادية أو اقتصادية...
هذا هو المفهوم البسيط لاستقلال القضاة, من أجل ذلك يجب أن يكون الكادر الخاص لرجال القضاء الذي يمنحهم بعض الميزات المادية كي يوفر لهم المعيشة الكريمة تمنعهم من النظر إلى غيرهم أو إلى ما في أيدي الآخرين، وكانت الحصانة القضائية التي تمنع اتخاذ أي إجراء قانوني ضد القاضي إلا بأذن من مجلس القضاء الأعلى وهذا ما يطلق عليه الحصانة القضائية لكيلا يكون خاضعا ويمكن ابتزازه أو القبض عليه أو تلفيق تهم إليه وإلى ما شابه ذلك.
هذا هو المفهوم الخاص باستقلال القاضي. ولكن هذا ما لا يطبق على القاضي البحريني، حيث مازال هناك الكثير من القضاة يقطنون بشقق أو مع آبائهم ومنهم مازالوا ينتظرون حل مشكلة سكنهم ناهيك عن مرتباتهم ومخصصاتهم، حيث لو قمنا بمقارنتهم بنظرائهم في الدول المجاورة سنرى الفارق كبيرا جدا لدرجة لو ذكرت الأرقام سيعتقد القارئ أني أبالغ، وكذلك لو تمت مقارنتهم برواتب الوظائف الحكومية التي يوكل إليهم من المهام دون القاضي سنرى أنهم يتقاضون رواتب ومخصصات ناهيك عن المنح والعطايا لأسباب معرفة وغير معرفة والغريب أن أحد النواب خرج علينا بالمطالبة بتعديل راتب الوزير إلى 6000 دينار، ومن ثم سيخرج نائب آخر - إذا ما تم تعديل راتب الوزير - ليطالب بمساواة النائب بالوزير وهكذا (يعني ون تو) ولكن من باب أولى، أن يتجه تعديل الرواتب والمخصصات للقضاة بما يتحمل هذا القاضي من مسئوليات جسيمة ومغريات خطيرة تتحدد عليها مصير المواطنين.
هنا نقول للمهتمين بإرضاء الجهات الخارجية إن النظام القضائي الفعال هو حجر الأساس في تحقيق رسالة الدولة الأساسية المتمثلة بإقامة العدل بين جميع الناس، وإرساء قيم النزاهة والمساواة وتكافؤ الفرص، والحفاظ على حقوق المواطن ومكتسباته التي نص عليها الدستور، وكفلتها القوانين والأنظمة المرعية.
إن أول ما يلفت النظر في العيوب التي تكتنف قانون السلطة القضائية وسيطرة السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل على موازنة السلطة القضائية فهي التي تملك كل مقدرات القضاة والمتحكمة تماما في كل ما يتعلق بالشئون المالية للسلطة القضائية. وهو أمر بلا شك يؤثر كثيرا على إحساس السلطة القضائية بالاستقلال.
ومن المعروف في جميع بلدان العالم المتحضر الذي يحترم القضاء ويؤمن إيمانا كاملا بضرورة استقلال السلطة القضائية هو تمتع هذه السلطة بالاستقلال المادي القائم على استقلال موازنتها بحيث تتحكم هي فيها دون تدخل من السلطة التنفيذية، وغير ذلك سيعتقد البعض أن السلطة التنفيذية تأخذ من هذا التحكم ذريعة في التدخل بشئون السلطة القضائية ومحاولة السيطرة عليها تلك السيطرة التي لا يمكن أن تكون أبدا في صالح المواطن.
من جهة أخرى لو دققنا في كم القضاة والمستشارين القانونين في المحاكم المدنية سنرى ما يعادل 80 في المئة من غير البحرينيين المنتدبين، وكأن البحرين عاجزة عن إيجاد استشاريين وقانونيين للمحاكم المدنية ما يترك الأثر في نفوس المواطنين والقاضي البحريني، وهنا لا ننتقص من الأساتذة المنتدبين ولكن لا خير في بلد لا يأكل من ما لا يزرع. ناهيك عن السلطة القضائية في وزارة الدفاع التي لا يطبق على هذه الدائرة شيئا من المادة 11 من قانون العقوبات العسكري البحريني لسنة 2002 حيث يعتبر مدير وأعضاء القضاء العسكري المجازين في القانون نظراء للقضاء المدني، ولكن سيبقى هذا القانون ضمن قوانين الحشو فقط لا غير كمثيلاتها من القوانين.
إذا ما أردنا الإصلاح السياسي والمؤسسي فهناك ترابط وثيق بين مجالات الإصلاح الاقتصادي للفرد من ناحية ومجالات الإصلاح السياسي والاجتماعي من ناحية أخرى، بحيث أصبح من الصعب المضي في جهود الإصلاح في أي منهما بمعزل من الآخر، وهنا نقول إلى من يهمه الأمر إن اليد المرتعشة لا تستطيع أن تبني ولا تحكم
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 2243 - الأحد 26 أكتوبر 2008م الموافق 25 شوال 1429هـ