بلا قرار مسبق ومن دون أي إعداد، وجد المواطن نفسه، عندما تم إعلان خطة 2030 التنموية، في أجواء إعلان ميثاق العمل الوطني وما تلاها من إصلاحات سياسية جاءت في نطاق خطوة جريئة أقدم عليها عاهل البلاد جلالة الملك. ومن الطبيعي، بل ومن حق البلاد ومن ثم الخطة، أن يناقشها الجميع، وتحديدا ذوي الاختصاص، أن يناقشوا الخطة ويشبعوها قراءة متأنية وتمحيصا، ففي نهاية الأمر سيكون الإطار العام للخطة - بغض النظر عما يمكن أن يطرأ عليها من تغييرات وتطويرات - هو المحدد الأساسي لمسيرة التنمية والتحولات التي سترافقها خلال القرن الحالي. من هنا فمن سيتصدى لمناقشة الخطة أو التعامل مع ما جاء فيها عليه أن يدرك مسبقا أنه سيتعامل مع ما يربو على قرن من تاريخ الشعب البحريني.
وبخلاف ما قد يتوقعه القارئ، فلن أستبق الأحداث، وأشرع في مناقشة ما جاءت به الخطة، وذلك لأسباب عديد من بين أهمها:
1 - حاجة هذه الخطوة إلى قراءة متأنية موضوعية شاملة ومتكاملة لها، تناقشها ليس في الإطار الفني والتقني فحسب، وإنما، وهذا هو الأهم، في سياقها الحضاري، ومسارها السياسي. فالخطة، كما تبدو من قراءة سريعة لما نشرته وسائل الإعلام منها، مشروع حضاري متكامل، لابد من مناقشته من هذا المدخل الاستراتيجي الشامل.
2 - طموحي في أن أرى مبادرة جريئة تقوم بها غرفة تجارة وصناعة البحرين، بوصفها ضمير القطاع الخاص، وممثله الأكثر شرعية، بتشكيل لجنة من ذوي الاختصاص، وربما تكليف مؤسسة كفوءة، غير رسمية ومحايدة، تتولى قراءة الخطة قراءة استراتيجية، وتعد، وعلى نحو مسئول، ليس ردا عليها، بقدر ما هو رؤية تبني على ما جاء فيها للحد من ثغراتها، وضمان تطبيق ما جاء فيها من خطط ورؤى.
3 - رغبتي في أن أرى الخطة وقد تحولت إلى أحد مكونات مقررات الدراسة الجامعية، ليس من أجل الحفظ عن ظهر قلب استعدادا لنيل الدرجات العالية، بقدر ما هي محاولة لوضع الخطة تحت مجهر القراءة العلمية النقدية الموضوعية التي تصون الخطة وتضمن تطورها في طريقها الصحيح الذي رسمته لنفسها.
من حق القارئ أن يتساءل هنا: لماذا إذا تناول هذا العمود الحديث عن الخطة؟
والإجابة في غاية السهول: كي ينبه، ومن ثم يلفت النظر إلى جانب مهم، يرى العمود، وبتواضع، أنه لا يقل أهمية عن الخطة، ألا وهو مشروعات تنفيذها وبرامج تحويلها من إطارها النظري إلى واقعها العملي. وذلك، مرة أخرى، لأسباب كثيرة من بين أهمها:
1 - الخشية من تلاعب الخاسرين ممن ستلسعهم نيران الخطة من خلال ضوابط تنفيذها مثل: الشفافية، والاستدامة... إلخ. والحديث هنا ليس عن مسئول هنا أو موظف هناك. المقصود هنا كتلة تاريخية يجد أعضاؤها أنفسهم أمام أخطار خسارة مصالحهم التي عملوا من أجل تنفيذها والحفاظ عليها أجيالا بعد أجيال. وحماية الخطة من هؤلاء الخاسرين، تحتاج إلى ضوابط وصمامات امان، لن تكفي بنودها النظرية في توفيرها.
2 - الخوف من تسلق الانتهازيين من محليين وعرب ودوليين، وهم ليسوا قلة، الذين سيكون همهم الأساسي التصدي لكل الأقلام الشريفة والعقول المخلصة التي ستحاول، ومن مدخل إيجابي حريص على نجاح الخطة وصيانتها من أمثال هؤلاء الانتهازيين، كي تطعن في كل ما ستأتي به تلك الأقلام من ملاحظات صادقة يحكمها في ذلك الضمير الحي، وتسيرها آليات النقد البناء، غير الحاقد. ولذلك نتوقع من النظرة الاستراتيجية التي تولدت عنها هذه الخطة أن تمتلك الشجاعة والصبر لسماع مثل تلك الانتقادات البناءة والأخذ بما هو صحيح فيها، وتوضيح ما خفي عليها مما جاءت به.
3 - الدعوة إلى رسم خط بياني زمني واضح ومحدد، يضع، وعلى نحو تفصيلي دقيق، خطوات ومراحل تنفيذ الخطة. فدروس التاريخ تعلمنا أن الكثير من الخطط التي اجتازت مرحلة التخطيط، أجهضتها خطوات تنفيذ سيئة. ومرة أخرى، ليس المقصود بالإخفاق هنا، خطأ صغير ارتكبه فرد ما في لحظة ما من مراحل تنفيذ الخطة. الإشارة هنا تتجه نحو تخبط في التنفيذ مصدره عجز عفوي غير قادر على استيعاب صحيح لبنود الخطة، أو خلفيته اصطدام مصلحي يتناقض مع أهداف الخطة ومشاريعها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2242 - السبت 25 أكتوبر 2008م الموافق 24 شوال 1429هـ