العدد 2242 - السبت 25 أكتوبر 2008م الموافق 24 شوال 1429هـ

رجوع الثقة عند الإنسان العربي

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أين الشّبه بين مراجعة الغرب لأحوال حضارية وما وصلت إليه مجتمعاته في الحاضر وبين مراجعتنا للحال الذي وصلت إليه حضارتنا ومجتمعاتنا العربية؟

إنه يكمن في فقدان الثقة في الأسس التي تكونت عبر تاريخ شعوب الحضارتين والتي تبنّتها المجتمعات كمنطلقات تحكم حياتها وتوجّه نشاطاتها لبناء مستقبلها.

الكتّاب الغربيون الذين كتبوا عن تراجع أو انحطاط أو انتحار الحضارة الغربية وصلوا إلى نتيجة مؤداها أن الإنسان الغربي فَقَد الثقة في التعاليم المسيحية (وخصوصا البروتستنتية التي نادت بالاعتماد على النفس وبقدسية العمل) وفي التفاؤل بالمستقبل (الذي آمن به الإنسان الغربي منذ قرنين عند بداية عصر الأنوار) وفي حتمية النمو المادي الدائم وفي المبادئ الليبرالية وفي الفردية وفي أنظمة الديمقراطية والرأسمالية.

وهؤلاء الكتاب يطالبون الفرد الغربي بالعودة إلى الإيمان والثقة بتلك الأسس. أي أنهم يطالبونه بالرجوع إلى الطريق الذي هجر.

لا يختلف الأمر في بلدان العرب إلا في التسميات، أما الظاهرة فواحدة. والإنسان العربي فَقَدَ ثقته بالعمل الإسلامي بعد أن انقلب إلى مشاحنات طائفية لا تنتهي وإلى حركات تكفيرية متطرفة وإلى عنف في حق الأبرياء، وفَقَدَ ثقته بالاستقلال والتحرر بعد أن رأى جيوش الاستعمار تعود لتحتل أرضه التي ضحت بالملايين من أجل تحريرها وبعد أن رأى أشكالا من الحكم الفاسد الظالم المرتهن لإدارة الأغراب، وفَقَدَ ثقته في وحدة وطنه بعد أن رأى تصرفات الوحدويين الانتهازية بعد تسلمهم للحكم هنا أو هناك، وفَقَدَ ثقته بالعمل السياسي المدني بعد أن رأى مؤسساته تمارس كل ما تدعي أنها تحاربه في الأنظمة المستبدة الفاشلة. وفقد حماسه وتفاؤله وقدرته على الأحلام الكبيرة بعد أن ذاق مرارة الانتكاسات التي قلبت حياته إلى جحيم، ولقد كفر بالنظام الرأسمالي بعد أن غابت العدالة فيه وبالنظام الاشتراكي بعد أن زوّرته بيروقراطية الدولة الفاسدة. واليوم، وقد هاله ما رأى من ممارسات خاطئة باسم الديمقراطية، يقف على أعتاب الكفر بها.

ومثلما لن تجدي مطالبة كتّاب الغرب للإنسان الغربي بتجديد ثقته بأسس حضارته بسبب الانفصام وبُعد المسافة بين النظريات والشعارات وبين الواقع الذي يراه أمامه، واقع الرأسمالية الأنانية المتوحشة والديمقراطية التي سرقتها جماعة السطوة المالية والإعلامية وفوضى الحريات الفردية غير المنضبطة وتدمير البيئة وموت التضامن الاجتماعي وغير ذلك، فكذلك سيكون الحال مع الإنسان العربي. فلو أن بحار العرب كانت مدادا لكلماتهم وشعاراتهم فإنها لن تحرك وجدان وحماس من يرى تلك الهوة السحيقة بين ما يقال وبين ما يقع.

نستطيع أن نضيف إلى المقاصد الإسلامية الكبرى (حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال) مقاصد مجتمعية أساسية من مثل الحرية والعدالة والمساواة وكثيرا من مكونات حقوق الإنسان، ونستطيع أن نجعل الديمقراطية مكونا أساسيّا من مكونات الفكر القومي العربي، ونستطيع إجراء مراجعات جديدة كثيرة، وهي شرط يلازم ويسبق كل نهضة، ولكن ما لم توجد قوى مجتمع مدني، وخصوصا قوى سياسية، تناضل يوميّا من أجل تلك المراجعات وقلبها إلى تحققٍ تراكمي في الواقع، فإن تلك المراجعات ستكون عبثا لا طائل من ورائه.

مراجعة الغرب لحضارته مرّ عليها أكثر من قرن ومع ذلك فإن تغييرا جذريّا في وجهة مسار تلك الحضارة لم يحدث بعد، ومراجعة المكتبة السياسية الغربية تشهد بذلك. وعندنا مرّ قرنان من الزمن ومراجعات لا حصر لها ولا عدّ، في حقول الدين الإسلامي والفكر القومي والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قد تمت. ولكن أحوال مجتمعاتنا تصعد وتهبط وتصبح عصيبة على الإقلاع الحضاري الكبير.

والسبب واضح يكمن في الفشل في تكوين كتلة مجتمعية تاريخية تقوم بمهمة تقليص الفجوة بين القول والفعل، بين الأحلام والواقع، بين الشعارات وبين تطبيقها. رجوع الثقة عند الإنسان، في الغرب والشرق، تمرّ من باب الفعل بعرقه ودموعه وضحاياه

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2242 - السبت 25 أكتوبر 2008م الموافق 24 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً