مجلس النوّاب يستطيع من خلال الأدوات التي يمتلكها أنْ يساعد كلّ مواطن على امتلاك قطعة أرض بغرض السكن عبر إصدار حزمة قوانين تؤدّي إلى انخفاض أسعار العقارات السكنية؛ لترجع إلى طبيعتها التي تتناسب مع قدرة المواطن العادي.
أسعار العقارات غير الطبيعية في البحرين، ناتجة عن دخلاء على السوق، وتلاعب بعض المكاتب العقارية، ولهث مستثمرين نحو الربح السريع، الأمر الذي دفع السوق نحو مضاربات بعيدة عن المنطق، تسهم في ارتفاعات سعرية مفتعلة للحصول على هوامش ربحية مبالغ فيها.
الأسعار الحقيقية هي التي تتناسب مع القدرة الشرائية وتكون ناتجة عن ميزان العرض والطلب في السوق، وما هو موجود في البحرين يُخالف المعطيات الفنية التي من خلالها تحدد أسعار العقار.
قطعة أرض صغيرة بقيمة 70 ألف دينار، وبيت صغير بـمبلغ 120 ألف دينار، بينما أكثر من 90 في المئة من المواطنين لا يمتلكون هذه المبالغ لشراء العقار وحتى المصارف لا تمنحهم قروضا بهذا الحجم.
عندما تذهب إلى المصارف التجارية، وشركات التمويل العقاري، للحصول على قرض بمبلغ 70 ألف دينار، يشترطون أنْ يكون راتبك الشهري أكثر من ألف دينار، السؤال المطروح هنا كم مواطن راتبه الشهري يبلغ أكثر من ألف دينار؟.
بحسب آخر إحصائية رسمية صادرة من وزارة العمل، وهيئة تنظيم سوق العمل، وهيئتي التأمين الاجتماعي في شهر يونيو/ حزيران 2008، يبلغ عدد المواطنين الذي يتقاضون رواتب أكثر من ألف دينار نحو 9121 مواطنا، ونِسبُهم لا تتجاوز الـ 10 في المئة، بينما 50 في المئة من المواطنين يتقاضون رواتب أقل من 300 دينار.
وهذه الإحصائية، مؤشر على انعدام القدرة الشرائية للمواطنين لشراء العقارات السكنية، وعدم وجود طلب من المواطنين على العقارات بتلك الأسعار لضعف إمكاناتهم المادية.
وهنا يأتي السؤال: من الذي يشتري العقارات؟ ومن هم الذين يحرّكون الطلب الهائل على العقارات حتى بلغت التداولات خلال ستة أشهر من العام الجاري أكثر من مليار دينار؟.
الجواب، إنّ الطلب يأتي من قبَل المضاربين في السوق, والذين هم ليسوا مستهلكين لتلك العقارات, فهم أناس وجدوا فرصة ما، لمضاعفة أموالهم واستغلوها، إذ تجد عمارة سكنية تتألف من 100 شقة غير مسكونة، ويتم بيعها من مستثمر إلى مستثمر من دون الاستفادة من تشغيلها أوتأجيرها.
والقول إنّ السماح للمواطنين الخليجيين بتملك العقارات في البحرين هو الذي تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، يعد كذبة؛ لتضليل الرأي العام من أجل مصالح شخصية ومنافع محددة.
فالمواطن الخليجي لم يكن سببا في ارتفاع أسعار العقارات السكنية في القرى، وإنّما كان سببا في ارتفاع العقارات الاستثمارية التي تكون في مناطق محددة مثل: السيف ودرّة البحرين وجزر أمواج.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، المواطنون الخليجيون منذ أنْ سمح لهم بالتملك في العام 1999 حتى اليوم لا يمتلكون ألف عقار سكني، أمّا في العقارات الاستثمارية فإنهم يمتلكون المئات، ويستثمرون فيها بملايين الدنانير.
السبب الرئيسي وراء صعود الأسعار هو المضاربة التي ازدهرت بسبب عدّة عوامل ذكرناها في بداية المقال، والمضاربة تعني أنْ يقوم المستثمر بشراء أرض، ويبيعها بسعر أعلى خلال أسبوع، ثم يشتري أرضا أخرى، ويبيعها مباشرة بسعر أعلى، وهكذا.
والقانون الطبيعي يقول: لكلّ سبب نتيجة، ولكلّ نتيجة سبب، فالمضاربة كانت سببا لارتفاع الأسعار بشكل غير طبيعي وحرمان أكثر من 90 في المئة من المواطنين من حصولهم على سكن لأسرهم، والحل يكمن في إزالة السبب؛ لتكون النتائج عكسية تؤدّي إلى انخفاض الأسعار بما يتناسب مع قدرة المواطن العادي على شراء السكن.
القانون أداة لضبط سوق العقارات السكنية، وبما أنّ مجلس النوّاب هو السلطة التشريعية يستطيع منْع المضاربات، من خلال إصدار حزمة التشريعات التي تحرم المضاربين من الربح، وتجمّد أموالهم، وتسلبهم القدرة على تسييل الأصول.
قبل إصدار القوانين يجب التفريق بين العقارات السكنية والعقارات الاستثمارية، فالأولى يجب التدخل فيها وتقييدها بالقوانين؛ لأنّها تمس مباشرة حاجة المواطنين للسكن، أمّا الثانية وهي العقارات الاستثمارية يجب أنْ تكون مفتوحة وفقا لمبادئ السوق الحر، ولتنافس المستثمرين فيها.
على المشرعين أنْ يفكّروا في تحديد المناطق السكنية المستهدفة في بعض القرى والمدن؛ ليتم بعدها إصدار قانون يمنْع بيع العقارات السكنية في هذه القرى والمدن بالتحديد إلاّ بعد عشر سنوات من شرائها، أو تطويرها. وهذا القانون سيكون بمثابة الضربة القاضية للمضاربين، إذ أنّ المضارب عندما يشتري العقار لن يستطيع بيعه للحصول على الربح، بل ستبقى أمواله مجمّدة من دون فائدة لمدة عشر سنوات حتى يستطيع بيع العقار.
ويتم كذلك إصدار قانون ثانٍ، مفاده أنّ أيّ مواطن يريد تملك عقارات سكنية تفوق ثلاث أراض سواء مطورة أو غير مطورة، تفرض عليه ضرائب سنوية بنسبة 1 في المئة. وهذا القانون سيؤدي إلى الابتعاد عن العقارات السكنية، وعدم قيام فرد ثري يمتلك أموالا طائلة من الاستحواذ على عشرات الأراضي السكنية، وهو ليس بحاجة لها؛ لأنّها ستكلفه مبالغ طائلة، وبالتالي ترك المعروض للمواطنين العاديين، وإذا كان الثري يريد عشرة منازل يسكن فيها، فلديه المناطق الاستثمارية، فليشتري ما يشاء فيها، ويترك المناطق القروية والمدن للمواطنين. كما أن هذا القانون سيهلك المضاربين، ولن تقوم لهم قائمة في المناطق السكنية القروية.
إنّ هذين التشريعين كفيلان بنزول أسعار العقارات السكنية إلى أقل من 15 ألف دينار، بما تتماشى مع القدرة الشرائية للشريحة الأكبر من المواطنين الذين تصل رواتبهم إلى 300 دينار. مجلس النوّاب بيده الأداة الفعّالة التي ستؤدي إلى تمكين المواطنين من حصولهم على أراضٍ سكنية. وأعضاء مجلس النوّاب سيكونون بين أربعة خيارات، أمّا مع وجاهة المال (التجّار)، وإمّا مع المواطنين لجني المكاسب في بورصة الانتخابات المقبلة، أو اللعب على الطرفين، أو ترك الأمور للهرج والمرج وعدم علاج المشكلة
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 2242 - السبت 25 أكتوبر 2008م الموافق 24 شوال 1429هـ