رغم فارق الحجم السكاني والمساحة فإن مصر والبحرين تعدان أقرب الدول العربية لبعضهما البعض لاعتبارين أساسيين: أولهما طيبة الشعبين وما يتميزان به من عراقة حضارية تجعل شعبيهما يتّسمان بطيبة القلب وحسن المعشر، وثانيهما العلاقات الوثيقة بين القيادتين السياسيتين المتمثلة في الملك حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس محمد حسني مبارك ووزراء الدولتين في عديد من المجالات.
كما تتشابه ظروفهما الاقتصادية في محدودية الموارد الطبيعية وفي تميز القدرات البشرية للدولتين وفي إطار التخطيط الاستراتيجي لكليهما ما جعل أثر الأزمة المالية العالمية محدودا حتى الآن على اقتصاد البلدين.
من هنا تأتي زيارة الوزير المصري محمود محيي الدين والوفد الاقتصادي المرافق له في توقيت مناسب للغاية ولعل الشرح المستفيض الذي قدمه الوزير في الندوة التي عقدت ظهر يوم أمس (الخميس) 23 الجاري تعبر بوضوح عن ثلاثة مظاهر أو حقائق:
الأولى: مدى اطلاع الوزير وإجادته لموضوع عمله الاستثمار والشئون الاقتصادية المصرية والعربية والدولية. والواقع أن الوزير محمود محيي الدين من ألمع الوزراء المصريين كفاءة وعلما وإدراكا للظروف القائمة والتوقعات المستقبلية ومن أكثر الوزراء تواضعا وتفانيا في عمله.
الثانية: النظرة المستقبلية في فكر الوزير المصري بأن العمل والتعاون يكونان في غمار الأزمة وليس بعدها، فالتعاون دافعه الأزمة ومواجهتها وكما هو معروف فإن علم إدارة الأزمة من العلوم التي من الضروري تعلمها لجميع القيادات في العصر الحديث. فإدارة الأزمة لها مراحل قبلها وأثناءها وبعدها ولكل مرحلة خصائصها.
ولقد أثلج صدري الاستماع المباشر للوزير محيي الدين والتعرف على فكره، وأنا كنت أتابع عمله ومقابلاته ومناقشاته من بعيد، ولكن هذا اللقاء في الندوة يعطي انطباعا مختلفا؛ إذ يعمّق الفهم بمشاهدة ومراقبة المسئول وكيف يتعامل مع الموقف وكيف يفكر في التعامل مع الأزمات.
والثالثة: ارتباط الفكر بالعمل، أي الارتباط بين المسئول وقطاعات التنفيذ.
الفهلوة التقليدية لا تجدي في ظل اقتصاد السوق في القرن الحادي والعشرين. لقد أعجبني كثيرا فكر الوزير محمود محيي الدين وشجاعته الأدبية؛ فهو صاحب رأي وليس موظفا تقليديا يكرر الفكر السائد، وهذا ما تحتاجه مصر في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخها ومن تطورها الاقتصادي.
البحرين لديها إمكانات كبيرة واستعداد أكبر للتعاون مع مصر والاستفادة المشتركة في مجال البنوك والمؤسسات المالية وخصوصا أن تجربة البحرين تجربة ثرية ورائدة في مصارف الأوفشور والمصارف الإسلامية وكذلك في التعامل مع التكتلات المختلفة.
مصر بدورها لديها تاريخ عريق في التعامل الدولي وفي إدارة الأزمات السياسية ومراحل الانتقال السياسي والاقتصادي ومن ثم فإن الفائدة مشتركة.
المطلوب إذا في هذه المرحلة تكثيف الزيارات واللقاءات والحوارات الجادة، وأن تكون الوفود القادمة للبحرين أو حتى عند استقبال وفد بحريني في مصر قد عملت واجبها من خلال الاستعداد الجاد وليس الكلام الإنشائي العابر كما حدث في زيارات لبعض المسئولين، ولا أنسى منذ سنوات قلائل إذ كنت في مهمة عمل في ألمانيا والتقيت ببعض كبار المسئولين وقالوا لي آنذاك إنهم زاروا مصر ودولا عربية أخرى في جولة للمستشار الألماني السابق، وكانت المباحثات في مصر غير طيبة لأن القيادات الفنية لم تكن مستعدة بصورة جادة، بخلاف ما حدث في زيارة الوفد الألماني لدول أخرى في المنطقة.
إنني على ثقة بعدما لمسته من أعمال الوزير والوفد المرافق له أن الصورة تغيّرت الآن نحو الأفضل، ويحدوني الأمل في مزيد من التحسن في الأداء لأن علماء مصر وخبراءها كثيرون ومتميزون في شتى المواقع التي يعملون فيها خارج أرض الوطن وهم قادرون على العطاء الجاد والمثمر في أرض الوطن إذا أتيحت لهم الفرصة المواتية.
وتحية للوزير الشاب الديناميكي المتفاني في عمله وللوفد المرافق له، وشكرا للبحرين وقيادتها على حسن استقبال الوفد، وكلنا أمل أن تؤتي هذه اللقاءات ثمارها في دفع التعاون بين البلدين خطوات كبيرة للأمام
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2240 - الخميس 23 أكتوبر 2008م الموافق 22 شوال 1429هـ