العدد 2239 - الأربعاء 22 أكتوبر 2008م الموافق 21 شوال 1429هـ

تخيل السلام

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

لقد حصل ذلك في احتفال مهيب على مسرح تحيط به الأعلام الإسرائيلية والفلسطينية، تم توقيع معاهدة السلام بين «إسرائيل» وفلسطين. لم تستغرق المحادثات فترة طويلة. كانت العناصر الأساسية للمعاهدة معروفة منذ فترة طويلة. لم تحمل الوثيقة أية مفاجآت حقيقية.

وافقت «إسرائيل» على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أصبحت الحدود بين الدولتين ترتكز على ما يسمى بالخط الأخضر (خط ما قبل 1967). إلا أن الطرفين اتفقا على تبادل محدود للحدود والأراضي. تم إلحاق حوالي 5 في المئة من الضفة الغربية، بما فيها بضع «تجمعات استيطانية» بـ «إسرائيل» مقابل مساحات مكافئة بمحاذاة قطاع غزة. عبّر الطرفان عن رغبتهما بإبقاء الحدود مفتوحة أمام تنقلات الناس والبضائع.

في القدس أصبحت الأحياء العربية، بما فيها الحرم الشريف (تلة الهيكل) جزءا من فلسطين، بينما بقيت الأحياء اليهودية والحائط الغربي في «إسرائيل». بقي نصفا القدس موحدان فعليا تحت سلطة بلدية مشتركة بتمثيل متساوٍ.

وافقت «إسرائيل» على نقل جميع المستوطنات من الأراضي الفلسطينية.

بالنسبة لمشكلة اللاجئين، تم تحقيق حل معقد. تم تشكيل لجنة حقيقة ومصالحة لتقصّي أحداث الأعوام 1948 و1967، والتي أدت إلى نزوح اللاجئين. وافق الطرفان على الالتزام بما تتوصل إليه اللجنة، التي تشكلت من مؤرخين إسرائيليين وفلسطينيين ودوليين.

اعترفت «إسرائيل» من حيث المبدأ بحق العودة، إلا أن الطرفين وافقا على أن عددا محدودا ومتفقا عليه من قبل الطرفين سوف يتمكّن من العودة إلى الأراضي الإسرائيلية، بينما يتم تعويض الآخرين وتوطينهم في دولة فلسطين أو في أماكن أخرى حسب رغباتهم وبمعونة دولية.

كذلك تم تعيين لجنة أخرى للإشراف على توزيع عادل للموارد المائية وخاصة تحلية مياه البحر بشكل واسع، بمعونة دولية لصالح الطرفين.

بعد أن تصافح رئيسا «إسرائيل» وفلسطين، وقف الجميع دقيقة صمت في ذكرى جميع الذين قتلوا في النزاع الذي دام عقودا عديدة.

أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية أن المعاهدة تتفق مع المبادرة العربية للعام 2002، وأكد أن جميع الدول الأعضاء بالجامعة سوف تقوم بإنشاء علاقات طبيعية مع «إسرائيل».

بعد خلاف طويل مؤلم، نجح الرئيس الفلسطيني الجديد في توحيد الفصائل الفلسطينية المتحاربة في منظمة تحرير فلسطينية متجددة وحكومة إقليمية لفلسطين، بعد سلسلة من الاتهامات والاتهامات المضادة قامت كل من حماس وفتح بمساندة الاتفاقية.

عندما تصافح الرئيسان تنفس العالم بأسره الصعداء.

إلا أن توقيع الوثيقة من قبل المسئولين لم تكن سوى بداية الكفاح. كما يعلم الجميع، فإن مواجهة حاسمة بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين كانت تلوح في الأفق.

كان المستوطنون وحلفاؤهم قد قضوا سنوات يعدّون العدة لهذا الاختبار، استطاعوا بدعم من عناصر رئيسية في الجيش والوزارات المختلفة من الوصول إلى موارد ضخمة من الأسلحة والأموال. صمم الكثيرون منهم على خوض حرب أهلية إذا احتاج الأمر كذلك.

إلا أنه عندما وقع الصدام كان أقل دراماتيكية مما كان متوقعا، وكما اتُّفِق عليه مع الفلسطينيين، أعطي المستوطنون فترة سنة للمغادرة طوعا مقابل تعويضات سخية جدا. بعد تردد مبدئي، وافق حوالي نصف المستوطنين على العرض وغادروا المناطق المحتلة فعلا. أصيب الباقون بالإحباط من الدعم الراسخ من قبل الغالبية العظمى من الجمهور الإسرائيلي لاتفاقية السلام.

في نهاية المطاف أصبح القتال متقطّعا. في لحظة الأزمة، نجحت الديمقراطية الإسرائيلية وبقي الجيش مواليا بصلابة للحكومة، على رغم جهود المستوطنين التي كرسوها طوال سنواتٍ لاختراق الجيش ومجموعات الضباط.

شك العديد من المعلقين فيما إذا كانت معاهدات السلام ممكنة في غياب تغيير عميق في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

بعد انتخابات العام 2012 أعلن الرئيس أن مصالح أميركا الأساسية تتطلب توجها معتدلا متساويا حتى يتسنى التغلب على الحقد الذي شعر به ملايين المسلمين تجاه أميركا، «سوف نساند كلا من إسرائيل والفلسطينيين في حملتهم البطولية للسلام»، كما أعلن الرئيس. لم يجرؤ اللوبي المساند لـ «إسرائيل» على معارضته، لشعورهم بالتغيير الأساسي في الرأي العام الأميركي والخوف من ردة فعل معادية للسامية.

وبينما امتلأت فنادق تل أبيب برجال الأعمال العرب الساعين للحصول على مشاريع مشتركة، سارع نظراؤهم من الإسرائيليين بمجموعات كبيرة إلى الرياض وبغداد والدوحة ودبي. ملأت قصص نجاحاتهم أخبار المحطات التلفزيونية وغطت على منظر المستوطنين وهم يحاولون إعادة صور «فك الارتباط» مع غزة قبل عشر سنوات.

ونظرا لموقعهم بين «إسرائيل» والعالم العربي، أصبح الفلسطينيون وسطاء يسعى الجميع للحصول على خدماتهم. وقد نجح الأسرى السابقون في السجون الإسرائيلية، الذين تعلموا اللغة العبرية، نجحوا بشكل خاص في إيجاد اتصالات في مجال الأعمال. كذلك حصل المواطنون العرب في «إسرائيل»، نتيجة لمعرفتهم الدقيقة بالإجراءات والعمليات السياسية والاقتصادية الإسرائيلية. ارتفع معدل معيشتهم اليومية بشدة ليصل إلى معدل معيشة الإسرائيليين اليهود تقريبا، انخفضت معدلات الولادة بينهم، كما هو الحال في أوضاع الازدهار المتزايد.

في نهاية المطاف ثبتت صحة القول القديم «لا يتم صنع السلام بين الحكومات وإنما بين الشعوب»، مرة أخرى، قامت العلاقات البشرية والمصالح الاقتصادية ومرور الزمن بإتمام العملية التي بدأت بمعاهدة السلام الرسمية.

*صحافي وناشط سلام، وهو مؤسس حركة السلام «غوش شالوم»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2239 - الأربعاء 22 أكتوبر 2008م الموافق 21 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً