العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ

علاقة العرب بالأزمة المالية العالمية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

باستثناء تصريحات خجولة أطلقها بعض المسئولين العرب، أمطرتنا وسائل الإعلام العربية، وخصوصا الرسمية منها، بوابل من الأخبار والتحليلات المعززة بتصريحات حاولت أن تطمئن المواطن العربي وتبث الارتياح في قلبه، وتضع حدا لمخاوفه بشأن الانعكاسات السلبية التي بدأت أو من المتوقع أن تترك بصماتها على الأوضاع «الاقتصادية العربية المتينة»، التي لم ولا يمكن أن تتأثر بما يجري في أسواق الولايات المتحدة، على حد قول العديد من المسئولين.

في البدء لابد من التأكيد أنه اليوم، وفي ظل قنوات الترابط التي ولدتها ثورة الاتصالات والمعلومات، يصعب القبول بمثل هذه الادعاءات المصرة على الاستخفاف بذهنية المواطن العربي، ناهيك عن اطلاعاته التي باتت ذات آفاق عالمية تتجاوز الأطر المحلية. وبوسعنا أن ندرج هنا قائمة بأسماء الاستثمارات الخليجية التي لم يكن بوسعها، نظرا إلى طبيعة أنشطتها، أو بحكم التركيبة القانونية التي تحكمها، أن تخفي خسائرها التي لامست محيطات دوائر المليارات من الدولارات.

لذلك سنكتفي بسوق بعض الملاحظات والإشارات التي تؤكد أن الإصابات بالغة والخسائر فادحة.

لكن ما قامت بالكشف عنه الكثير من المؤسسات المالية العربية، وخصوصا الخليجية منها، تغطي فترة أشهر الربع الثاني من السنة المالية الحالية، والأزمة بدأت تتفاقم خلال الربع الثالث الذي لم تظهر نتائجه العربية بعد.

الإشارة الأولى هي، دعوة العودة لإجراءات الرقابة المالية الصارمة والجائرة التي اتخذتها الدوائر التي تتحكم في آليات سير المؤسسات المالية في الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، إزاء من صنفتها الأجهزة الأميركية بأنها «استثمارات مالية إسلامية»، ادعت أنها ضالعة في تمويل ما أطلقت عليه حينها بـ «الإرهاب الدولي»، والتي كان معظمها أموال خليجية، جلها من أموال الصناديق السيادية التي تملكها الحكومات الخليجية. وهذا دليل آخر على علاقات التأثير المباشرة.

الإشارة الثانية هي، كيف بوسعنا اليوم أن نضع الحواجز، أو حتى «صمامات الأمان»، إن جاز لنا القول، التي توفر الحماية لاستثماراتنا النشطة في أسواق لا نملك الحق في قول كلمتنا فيها، بل لا يحق لنا الاطلاع على أكثر مما يحق لأي مستثمر صغير يملك حصة متواضعة في تلك الاستثمارت.

الإشارة الثالثة هي، تشكل المداخيل النفطية العربية، وهي التي تمد الاستثمارات العربية بمبالغ قزمة لا تتجاوز حفنة من التريليونات، مقارنة بالخسائر التي وصلت تقديراتها اليوم إلى نحو 25 تريليون دولار. هذه الخسائر فقط، وليس الحجم الكلي لتلك الأموال. وبالمقابل، فإن نسبة ضئيلة، لكنها ضخمة بالنسبة إلى الاقتصاد العربي، هي التي تستثمر في تلك الأسواق، الأمر الذي يضيِّق من دائرة المساحة التي تحتلها في تلك الأسواق، ومن ثم يجعل ثقلها غير ذي أهمية، ولا تحظى بأي تقدير عند اتخاذ القرارت الاستراتيجية الحاسمة.

الإشارة الرابعة هي، ومن دون الحاجة إلى الدخول في تحليلات عميقة لتأكيد علاقات التأثير التي يبثها ما يجري في الأسواق العالمية، وخصوصا الأميركية منها، في الأسواق أو الاستثمارات الخليجية... تكفي هنا الإشارة إلى التذبذبات التي شهدتها أسعار صرف الدولار في الآونة الأخيرة. فعندما خفضت واشنطن سعر صرف الدولار، ضاربة بذلك القرار عرض الحائط كل من هو خارج السوق الأميركية، اضطرت الأسواق الخليجية إلى استيراد معدلات تضخم مزدوجة: الأولى من جراء ارتباط عملاتها بالدولار، الأمر الذي خفض من أسعار عملاتها مقارنة بالعملات الأخرى، والثانية من خلال ارتفاع أسعار وارداتها الناجم عن ذلك التخفيض، إذ إن نحو 80 في المئة من الواردات الخليجية تأتي من خارج الولايات المتحدة من دول مثل أوروبا واليابان.

لذلك، وعوضا عن دفن رؤوسنا في الرمال، أو الإصرار على مكابرة غير مبررة، من أجل أهداف سياسية محدودة الأفق، على مراكز صنع القرار العربية، وخصوصا الخليجية منها، أن تواجه الواقع بشجاعة، وأن تمتلك الجرأة كي تقول لنفسها أولا، ولمواطنيها ثانيا، أن رياح الأزمة لابد أن تهب علينا، ولذلك من الضروري أن نتأهب: حكاما ومواطنين كي نتفادى الخسائر غير المبررة، وأن نعيد النظر في خططنا التنموية، ومشروعاتنا التي تخدمها، كي لا نجد أنفسنا وسط بحار تتلاطم أمواجها العالية ترغمنا على البحث عن طوق نجاة ربما لا يوصلنا إلى شاطئ الأمان

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2237 - الإثنين 20 أكتوبر 2008م الموافق 19 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً