العدد 2236 - الأحد 19 أكتوبر 2008م الموافق 18 شوال 1429هـ

الشركات العائلية... واقعٌ وتحديات

خالد كانو comments [at] alwasatnews.com

رئيس الجمعية البحرينية للشركات العائلية

أكثر من دراسة علمية نُشرتْ في الآونة الأخيرة عن أوضاع ومستقبل الشركات العائلية في المنطقة، ومن المهم أنْ ندقق جيّدا في النتائج التي توصّلت إليها هذه الدراسات لعدّة اعتبارات أهمّها أنّ الشركات العائلة تتحكم بأكثر من 95 في المئة من حجم النشاط التجاري والاقتصادي في المنطقة، ولعبت ولاتزال تلعب دورا محوريا في نهضتها الحديثة.

وإذا كان هناك من بادر خلال السنوات الماضية بتحريك المياه الراكدة بشأن هذا الموضوع وشرح العقبات والتحديات التي تواجه مسيرة الشركات العائلية في المنطقة في ضوء التطورات الاقتصادية التي نشهدها على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية، فإنّه من الثابت أنّ هذه المعوقات والتحديات أصبحت اليوم أكثر وضوحا عن ذي قبل، بدليل كثرة المنتديات والندوات والمؤتمرات والدراسات التي تسلط الضوء على أوضاع ومستقبل هذه الشركات وتبحث في كيفية النهوض بها، وقد لمست شخصيا من خلال الفعاليات التي أقمناها في إطار الجمعية البحرينية للشركات العائلية اتساع قاعدة المهتمين بهذا الموضوع من قبل أصحاب الشركات العائلية والقائمين عليها في البحرين.

وهو أمر جيّد من دون شك ينبئ بأنّ هذه الشركات قد تتجّه نحو تعديل أو تطوير تركيبتها القانونية والإدارة وإذا رجعنا إلى الدراسات العلمية التي نشرت في الآونة الأخيرة حيث لابدّ أنّ نتوقف عندها، أوّلها دراسة شركة الاستشارات والمحاسبة العالمية أرنست ويونغ، فهذه الدراسة ترى أن 20 في المئة من الشركات العائلية في الخليج والشرق الأوسط تخطط؛ لتكون شركات مساهمة عامة تتداول أسهمها في البورصات، ونفس النسبة من الشركات تعارض ذلك على الرغم من أن 50 في المئة من الشركات العائلية المشاركة في الدراسة اتفقت على أنّ طرح أسهمها للاكتتاب العام يعتبر أمرا مهما لاستمرار ونمو شركاتهم.

تلك نتيجة مهمّة خلصت لها هذه الدراسة العلمية، وأهميتها تكمن في أنها تبين استمرار توجس الكثير من الشركات العائلية من الإقدام على خطوة التحول إلى شركات مساهمة عامّة أو مغلقة، لأنها تعتقد أنّ ذلك سوف يحفظ لها ثرواتها ويخلّد أسماء عائلات مؤسسيها، ويبقى على مبدأ تعاقب الأجيال في إدارة هذه الشركات رغم اقتناع بعضها بأهمية هذا التحوّل، وإذا ربطنا هذه النتيجة بما خلص إليه استبيان قامت به جريدة القبس الكويتية ونشرت نتائجه في عددها الصادر في 28 يوليو/تموز 2008 والذي يظهر بأن 14 في المئة من الشركات المدرجة في البورصة تتمتع ببعض تطبيقات فصل الإدارة عن الملكية، ومبادئ حوكمة الشركات وهي كلمة تعود جذورها إلى مفهوم الحكم الصالح الخاضع لمبادئ الشفافية والمسائلة وحكم القانون التي هي أمور أساسية لاستدامة النمو الاقتصادي، وتلك النسبة قد تعني أنّ 86 في المئة من الشركات مازالت بعيدة عن تلك التطبيقات والمبادئ. وأعتقد أنه على رغم ذلك فإنّ الكثير من الشركات العائلية تدرك اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أهمية وضع دستور عائلي لها يتضمن مجموعة من المبادئ والقواعد الحاكمة والمنظمة للعلاقات بين أفراد العائلة مثل: التخطيط لانتقال السلطة من جيل إلى جيل في العائلة، وقواعد الالتحاق بشركات العائلة، والقواعد المنظمة للملكية والعلاقة بين الشركة والعائلة.

ذلك يعني أنّه رغم الاهتمام الذي أصبح يحظى به موضوع حوكمة الشركات في دول مجلس التعاون بشكل عام، فإنّ تطبيق أسس ومبادئ ومعايير هذه الحوكمة لم يأخذ مداه الحقيقي حتى الآن، ومن الواضح أنه يحتاج إلى وقت أطول لاستيعاب ملاك الشركات العائلية الفوائد التي سيجنونها من تطبيق الحوكمة في شركاتهم على صعيد الشركات العائلية في البحرين.

وإذا ربطنا كلّ ذلك بدراسة أخرى لشركة تنميات الاستثمارية التي توصلت إلى أنّ دولة الإمارات شهدت تطورات تشريعية وقانونية من بينها التعديلات التي جرت على قانون الشركات التجارية التي سمحت للمرة الأولى لملاك الشركات العائلية بطرح 30 في المئة من شركاتهم للاكتتاب العام في سبيل التحول لشركات مساهمة عامّة كما هو معمول في المملكة العربية السعودية، إلى جانب إعلان وزارة الاقتصاد والتجارة في دولة قطر عن دعمها وتشجيعها للشركات العائلية المحلية على التحوّل إلى مساهمة عامّة والمبادرة إلى اتخاذ خطوة مماثلة كتلك التي أقدمت عليها دولة الإمارات بإجراءات تعديلات على قانون الشركات التجارية ترفع نسبة مساهمي المؤسسين في الشركات العائلية إلى 60 في المئة في حين أنّ القانون السابق ينصّ على ضرورة ألا تزيد هذه النسبة على 45 في المئة، فإنّ ذلك يعتبر محفزا للشركات العائلية التي تسعى إلى التحول إلى مساهمة عامة، وهذا التوجه هو نفسه الذي عرضناه كجمعية للشركات العائلية على صاحب السمو رئيس الوزراء حفظه الله خلال تشرف مجلس إدارة الجمعية بلقائه في 15 ابريل الماضي، وقد وجدنا من سموه تفهما وتجاوبا على دعوتنا واقتراحنا بإجراء تعديل على قانون الشركات بما يعطي دفعة تشجيعية لشركاتنا العائلية من التحول إلى شركات عامة. ولعلّ هذا يجعلنا نترقب جديدا على صعيد مسار شركاتنا العائلية في البحرين على غرار ما أشرنا إليه.

ما نريد أنْ نخلص إليه ونؤكّد عليه فيما يخصّ هذه الشركات التي تشكّل حجر الزاوية في اقتصاد البحرين كما هو الحال بالنسبة إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. هو أنّ أصحاب الشركات العائلية عليهم أنْ يدركوا بأنه لم يعد توجد خيارات أمامهم أو أمام غالبيتهم للوصول إلى ما ليس له بدا مما تفرضه ضغوط العولمة والتنافسية والتطورات في مناخ وبيئة الأعمال، وأساس هذه الخيارات بأن تحول الشركات العائلية إلى شركات عامّة أو مقفلة لا يعني بالضرورة بأنّ أصحاب هذه الشركات سوف يخسرون بهذا التحوّل، وعليهم أنْ يفكّروا بأن ذلك سيساعدهم على ضبط عمل شركاتهم وتطوير آلياتها الإدارية، باعتبار أنّ الإدارة هو التحدّي الذي يواجه هذه الشركات. وسيكونون مسئولين أمام شركائهم من جهة، وأمام السلطات الرسمية التي ستتلقى تقارير دورية عن نشاطهم من جهة ثانية، بما يساهم في تحفيز وتعزيز الإدارة الرشيدة والحوكمة لدى هذه الشركات وسيساعد على استمراريتها ونموها وتوسعتها.

وتبقى الشركات العائلية القائمة على مهنية عالية في هيكليتها الإدارية، وتطبيق ممارسات عالية في مجال العمل، وتمتلك القدرات والإمكانيات المالية التي تعزز خطط التوسع في نموها الطويلة الأمد، وتخلو من أيّ مشكلات بين أصحابها أو الشركاء فيها، هذه الشركات يمكن بكل هذه المقومات أنْ تلج آفاق جديدة من العمل المستقبلي بمفردها أو من خلال تحالفات استراتيجية مع الغير بما يقوي من قدراتها وتعزز تنافسيتها.

أخيرا نقول كانت بعض الشركات العائلية في المنطقة تواجه بعض المخاطر أو التحديات، فإني اعتقد بأن الخطر الحقيقي يكمن في مرونة هذه الشركات وقدرتها على تبني سياسات إدارية حديثة تتناسب مع حجم التحولات والتحديات الاقتصادية. وإذا كان هناك رأيان، الأول يرى ضرورة تحويل الشركات العائلية إلى شركات قابضة تضم شركات تابعة لها، حتى تتمكّن من زيادة رأس مالها وإضافة أنشطة جديدة أخرى تحميها من عواصف التحوّلات الاقتصادية تنهي احتكار العائلات لهذه الشركات، فإنّ الرأي الآخر يرى أنه لا ضرورة من تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة وإنّما المهم هو تطويرها داخليا، ووضع أسس ومبادئ إدارية حديثة تتناسب مع التحولات المفروضة. وفي كلتا الحالتين يبقى التنظيم الإداري هو التحدّي الكبير الذي يواجه الشركات العائلية في المنطقة من دون أنْ نفعل تحديات أخرى كبيرة سنطرحها للنقاش في مقالات قادمة بإذن الله

إقرأ أيضا لـ "خالد كانو"

العدد 2236 - الأحد 19 أكتوبر 2008م الموافق 18 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً