ستشهد الساحة السياسية في غضون الأيام وربما الأسابيع المقبلة سيلا من الانتقادات للرحلة السياسية التي قام بها وفد أهلي (سيو- حقوقي) بحريني إلى واشنطن للمشاركة في المناقشات التي رعاها الكونغرس الأميركي بشأن «التمييز» في البحرين.
على أننا يجب ألا ننسى قبل مناقشة ذلك، هل أن التمييز واقعٌ في البحرين أم لا، وهل للسلطة أن تسأل نفسها عن سلوكيات حية من التمييز تجري على الأرض، وهي متدفقة ومتواترة بحيث لا يصلها النكران، ولا يمكن أن نغطيها بنظارة سوداء مهما اتسعت عدستها ولا بعشرين جمعية لأصحاب الأقليات.
هنا، كل شيء يكشف سوأة التمييز... التشكيلة الوزارية الحالية، والتي تمثل عنوانا صارخا للتمييز، وهي التشكيلة الأسوأ من نوعها في تاريخ البحرين من حيث عدالة التمثيل، فهل يعقل أن تمسك فئة كبيرة من فئات هذا الوطن وزارتين فحسب؟ هل في ذلك إنصاف، وهل هي العدالة التي عنها نتحدث، ومن وجه الغرابة هنا أن التشكيلات الوزارية السابقة لعهد المشروع الإصلاحي كانت أكثر إنصافا في تمثيل الواقع الشعبي، وكذلك التعيينات القضائية والدبلوماسية وحتى الإدارية وعلى المستويات كافة.
السلطة التشريعية هي الأخرى تكشف عن مؤشرات خاطئة تسير على خط بياني خاطئ، وسبب ضآلة نتاجات هذه التجربة هي الجنين المشوّه المتمثل في الغرفة المنتخبة (مجلس النواب)، وسبب كل هذه المأساة أن المخاض كان خاطئا، فمن يدعي أن صوت الفرد الواحد يقابله أكثر من ثلاثمئة صوت في بقعةٍ أخرى، ولعمري أين المساواة في ذلك؟
جلالة الملك قدّم إلينا تجربة سياسية طموحة، لكنها لا تتقدم إلا كتقدم السلحفاة، لأن السلحفاة غير واثقة الخطى في مشيها، تتقدم تارة وتتخلف أخرى، وبالتالي فإنه ومع الإقرار بوجود الإضاءات الجميلة في مشروع جلالة الملك، وهي ليست بإضاءات قليلة، لكن الشعب يريد تجربة تستطيع أن تبسط يد العدالة في كل شيء.
هل نعيش العدالة في توزيع الخدمات؟ هناك خطوات محمودة ومشكورة لكنها لا تستطيع أن تغير من حقيقة الواقع، هناك حرمان متكدس في مناطق بعينها، بل من الخطأ أن نصنف التمييز على لون المذاهب، لأن الفقراء في كل مكان، وهم جميعا ينتظرون من ينتشلهم من براثن الفقر.
بالعودة إلى ندوة الكونغرس الأميركي، فإن سؤالا كبيرا ينتظر إجابات شافية، فإذا كان البعض يحمل نشاط المعارضة الذاهبة إلى أميركا على أنها تمارس نشاطا سياسيّا خارج إطار النطاق الجغرافي للمملكة، بل إن أحد النواب المناهضين للزيارة اعتبر أن أميركا هي العدوة الأولى للعرب والمسلمين، ولكن لماذا لا ينطق أحد بالحق إلا الآن والآن فقط، والرد على شبهة العمالة لأميركا يمكن تفنيدها بقليل من الجهد.
أليست البحرين ومنذ عقود طويلة من الزمن حليفا استراتيجيّا رئيسيّا للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وتجمعنا مع واشنطن اتفاقيات عسكرية وأمنية بعيدة المدى، وتعاون استخباراتي في مجالات عدة، وبلدنا يستضيف الأسطول الأميركي الخامس في الخليج، ولم يجف بعد حبر اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا، وقبل بضع شهور زارنا الرئيس جورج دبليو بوش، وطوال هذا العام وحده هناك 3 زيارات رسمية رفيعة المستوى لأميركا.
لماذا لا يطرح منطق العداء لأميركا إلا الآن؟ ربما السبب أن المعارضة بدأت تدرك خيوط اللعبة، فالحقيقة التي تتعارض مع منطقنا الأيديولوجي هو أن أميركا اللاعب الأساسي في العالم، وإلا فلماذا نفخر صباحا ومساء بشهادة السيد جورج بوش بأن «البحرين واحة الديمقراطية في المنطقة»، فهل نريد أن تسمعنا أميركا ما يحلو لنا ولمصالحنا وحسب.
المعارضة البحرينية باتت» مزعجة»، لأنها لم تترك واشنطن وساحاتها السياسية بقرة حلوبا لنشاط سفارتنا شديدة الفخامة في واشنطن دي سي، ولربما مصدر الإزعاج أيضا أن نشاط المعارضة شوَّش على حملة العلاقات العامة التي تنوي هدى نونو القيام بها هناك.
إذا كانت أميركا عدوتنا فلنعلن ذلك صراحة ولنلغ كل أثر يترتب على خلاف ذلك، ولنبح للسلطة بأن دموعنا لن تجف على مستضعفي العالم في كل مكان، ولكن يجب ألا نتعامل أيضا مع الخارج وفق مزاجيتنا ومصالحنا. وعلى رغم كل ذلك، أقر سلفا بأن أميركا لن تقدم إلى شعوبنا ديمقراطية على طبق من ذهب، لأنها لم تفعل ذلك سابقا ولن تفعله مستقبلا، لأن «العم سام» لا يعرف سوى التحالفات الكبرى والمصالح والغنائم التي تقدمها «العمات والخالات» في المنطقة، والتنافس في الصداقة على من يقدم فراشا دافئا.
وختاما ومع بدء موسم السياحة السياسية، فإنني لا أعترض على من ذهب إلى واشنطن، فذلك من حقه، ولا أعترض كذلك على من عارضهم، ولكن اسمحوا لي فقط أن أعترض على منطق «التحليل والتحريم» في الزواج مع واشنطن بحسب الرغبة والمصلحة
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2235 - السبت 18 أكتوبر 2008م الموافق 17 شوال 1429هـ