منذ كنت طالبا في المرحلة الثانوية، في مدرسة الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة، وهي المرحلة التي بدأت فيها أهتم بقراءة الصحف والمجلات (مع أن هناك من الطلاب في المدرسة ممن كان ضليعا في المتابعة قبلي وقبل غيري... يعني أبو جرايد كما كنا نقول)، وأنا أقرأ وأسمع الكثير الكثير عن معاناة المطلقات في المحاكم الشرعية... والآن أضيف إلى القائمة، فئة المهجورات!
الحق يقال، في المرحلة الثانوية لم أكن أقرأ في الصحف عن «مهجورات»! اللهم في بعض دول آسيا وفي الأفلام التي قد يسمح لنا بمشاهدتها ليالي الجمعة... أقصد الأفلام العربية، والغربية إن كان «لا بأس بها». في تلك الأفلام، نفهم معنى قرية مهجورة... مدرسة مهجورة... بلدة مهجورة... مزرعة مهجورة... والكثير مما يمكن للإنسان أن يهجره... أما أن تكون الزوجة، رفيقة الدرب، الإنسانة، أم العيال، هي المهجورة، ففي ذلك ما هو أسوأ وصف وأشنع معنى مما كنت ومازلت أعرفه مما يمكن «هجره»!
حتى «الهجر» في الحياة الزوجية، وعلى مستوى المعاملة الشرعية كعقاب، فإنه واضح في المضاجع كتأديب لوقت محدود... أما أن يكون الهجر «هكذا»، وكما يقول بعض أهل البحرين، وخصوصا أهل المحرق في مثلهم القديم: «دودهو من دودهك من طقك»... فلا شيء هنا يمكن أن يكون معينا لمن تعرضن للظلم والهجران من أزواجهن سوى القضاة الشرعيين.
المطلقات والمهجورات، أزمة... حقا أزمة في المجتمع البحريني الصغير، والحل في يد القضاة الشرعيين لا غيرهم، ولأن القضاء في بلادنا مستقل، فإن السؤال الذي يمكن أن نوجهه إلى أي من القضاة الكرام، أو إلى أي موظف يعمل في المحاكم الشرعية: أليس صحيحا ما نسمعه عن «مرمطة» أولئك النسوة في أروقة المحاكم؟
لنفترض أن الكلام «غير صحيح»... وهو الجواب المتوقع، الذي تتلوه إجابات طويلة تدخل في دهاليز أكثر تعقيدا لتثبت أن الكلام غير صحيح... لذلك، سأعود إلى دليل يؤكد أن «المرمطة» صحيحة، وأتحدى أي طرف أن ينفي ذلك...
ففي العام 2005، وتحديدا في يوم 25 فبراير/ شباط، صدر تكليف عن جلالة عاهل البلاد، بدراسة مشكلات المطلقات ووضعهن المعيشي في ضوء الأحكام الصادرة بتحديد النفقة ومفرداتها وإجراءات التقاضي، وفعلا أجريت الدراسة بمتابعة شخصية من قرينة عاهل البلاد رئيس المجلس الأعلى للمرأة سمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، من منطلق حرصها على الوقوف على احتياجات المرأة والأسرة البحرينية لضمان استقرارها، وشملت الدراسة بنودا كثيرة لا مجال لذكرها، لكنها أوصت من بين ما أصدرت من توصيات ضرورة تعديل قانون أصول المحاكمات الشرعية بما يضفي صفة الاستعجال على قضايا الأسرة.
إذا، حين تضج مجموعة من المواطنات المطلقات والمهجورات من شدة ما هن فيه من وضع مأسوي، ويتحركن لمخاطبة المسئولين والنواب والمجلس الأعلى للقضاء، وينظمن اعتصاما وثانيا وثالثا، فالعذر معهن، ولا لوم عليهن... ومن يغفل أو يتغافل حقيقة أوضاعهن الصعبة لابد أنه إنسان «غير منصف»!
ربما يثمر تحرك المهجورات والمطلقات، ولو بعد حين، وربما تتعثر خطواتهن وتزداد المعاناة، لكن من المهم أن نأمل خيرا في القضاة الشرعيين لأن يعاد النظر في طريقة التعامل مع ملفات كثيرة هم أدرى بما فيها، وما عليها...
نتمنى أن تثمر التحركات وتعطى كل ذات حق، حقها
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2235 - السبت 18 أكتوبر 2008م الموافق 17 شوال 1429هـ