في خطوة جريئة وسريعة، فرضتها طبيعة الأزمة المالية وحجمها، اتفق قادة دول منطقة اليورو الخمسة عشر، خلال قمتهم الطارئة التي عُقدت في العاصمة الفرنسية، يوم الأحد 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على خطة لإنقاذ النظام المالي من أزمته الخانقة. وجاءت قرارات القمة مكملة لتلك التي اتخذها مجلس النواب الأميركي حين وافق على خطة الإنقاذ المالي، والتي تتضمن تقديم 700 مليار دولار لإنقاذ القطاع المصرفي.
وتنصب الجهود اليوم، وهو امر طبيعي ومنطقي ومتوقع، على البحث عن مخرج من الأزمة بأقل الخسائر، خشية من تداعيات لها تؤدي إلى انهيار النظام المالي العالمي، الذي بدأت دعوات بعض المسئولين في الغرب، تجد من يرغب في الاستماع لها، بدلا من محاربتها، كما دأبت عليه إدارة الرئيس بوش.
لا ريب أن معالجة الأزمة وعلى نحو سريع، أمر لابد منه، لكن الأهم من ذلك هو معرفة أسبابها، ففي غياب تشخيص الأسباب، تتلاشى فرص الوصول إلى العلاج. ولربما كان من المبكر اليوم الخروج باستنتاجات دقيقة بشأن تلك الأسباب نظرا إلى أن من يعيش وسط الأزمة يفقد التوازن المطلوب لتشخيص أسبابها، لكن بدأت ترشح بعض المحاولات، بما فيها العربية التي تحاول وضع يدها على تلك الأسباب.
على المستوى الهيكلي العام، يعتقد مدير معهد العولمة والحركات الاجتماعية الروسي بوريس كاغارليتسكي أن الأزمة المالية العالمية «ستبلغ ذروتها مع بداية العام 2010» عازيا أسباب الأزمة المالية الحالية إلى «سوء توزيع القدرات الاقتصادية بين قطاع الانتاج والقطاع المصرفي»، مشيرا إلى أن أموالا هائلة تم استثمارها في قطاع المضاربات، ما أدى إلى حدوث طفرة في سعر العقارات ووقوع أزمة الغذاء وأزمة البورصات.
وفي سياق رؤية الأزمة في إطارها البنيوي، يؤكد مستشار صندوق النقد العربي حازم الببلاوي أن السبب في تصاعد (وليس اندلاع) هذه الازمة هو «التطور الهائل للاسواق المالية، وهذا التطور جعل هذه الاسواق بالغة التعقيد والتركيب، الأمر الذي يخلق فرصا كثيرة، لكنه ايضا يزيد من المخاطر، إلى جانب ارتباط كثير من المعاملات بالمستقبل، مثل أن يقوم مستثمر ببيع سلعة غير موجودة حاليا، ولكن ستوجد الشهر القادم اعتمادا على أن سعرها سينخفض وسيجني ارباحا من ذلك».
باحث اقتصادي عربي آخر هو خليل أبوسليم معظم يعتقد بأن «السبب الرئيسي لإعلان افلاس تلك البنوك كان عدم كفاءة الادارة والمتمثل بمنح قروض من دون ضمانات أو مقابل ضمانات غير كافية». ويستند في ذلك إلى «إجماع الدارسين على أن عدم كفاءة الادارة هو السبب الرئيسي وراء الفشل وبالتالي الإفلاس».
ويعزز أقواله بالإستعانة بدراسة أجرتها إحدى المؤسسات عن مسببات الفشل وجدت أن «سبب عدم كفاءة الادارة يحتل المرتبة الاولى وبنسبة 93.1 في المئة يليه الاهمال بنسبة2 في المئة يليه التزوير بنسبة 1.5 في المئة يليه الكوارث بنسبة 0.9 في المئة، وهناك أسباب أخرى».
أما الباحثة الاقتصادية نورة اليوسف، فنجدها تحدد 4 أسباب أدت إلى اندلاع تلك الأزمة، تبدأ بتوفير «ما يعرف بالأموال الرخيصة» أو القروض الميسرة التي انخفض سعر الفائدة حتى وصل إلى 1 في المئة في العام 2003». لكنها تلفت النظر إلى سببين محوريين هما: «الزيادة الهائلة في توريق الديون العقارية (Securitization)، حيث يمكن تحويل تلك القروض إلى أوراق مالية معقدة (توريق الديون) يمكن عن طريقها توليد موجات متتالية من الأصول المالية بناء على أصل واحد، ونقص أو انعدام الرقابة أو الإشراف الكافي على المؤسسات المالية الوسيطة، إذ لا تخضع البنوك الاستثمارية للمنتجات المالية الجديدة مثل المشتقات المالية أو الرقابة على الهيئات المالية التي تصدر شهادات الجدارة الائتمانية».
كل تلك الأسباب تكشف عن أزمة بنيوية يعاني منها الإقتصاد العالمي، وفي القلب منه النظام المالي الأميركي، الذي، لا يملك إلا أن ينقل أمراضه، وعلى نحو سريع إلى الأسواق الإقليمية الأخرى، نظرا إلى الحيز الذي يحتله في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يهدد بانهيار كلي للنظام الاقتصادي العالمي.
ولعل هذه الأزمة البنيوة هي التي أرغمت بوش لكي يعترف بأن «خطة الإنقاذ تتطلب مزيدا من الوقت حتى تؤتي ثمارها» من جهة وأنها، على رغم اهميتها «لا تحظى بقبول الكثير من الأشخاص».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2230 - الإثنين 13 أكتوبر 2008م الموافق 12 شوال 1429هـ