أثارت عمليات النهب التي تعرضت لها اجهزة الدولة (الوزارات، المؤسسات، مراكز الأمن والشرطة، المستشفيات، الجامعات، المتاحف) والاسواق وبعض البيوت، ناهيك عن اشتباكات بين رموز المراجع الدينية في النجف الاشرف، واشتباكات عرقية في كركوك (قيام الاكراد بالضغط على العرب والتركمان لترحيلهم من المدينة) والموصل، أسئلة بشأن دلالة ذلك ومغزاه.
اتفق المحللون والمعلقون على ان مسئولية ما يحصل تقع على عاتق قوات الاحتلال التي تتحمل وفق بنود اتفاق جنيف الرابع، مسئولية ضبط أمن البلاد المحتلة وحماية حياة السكان واملاكهم ناهيك عن توفير الخدمات الصحية والغذائية لهم... الخ.
كما اتفقوا على ان عمليات النهب والسلب والقتل، حصلت بقرار سياسي أميركي اراد تفكيك الدولة العراقية وتمزيق المجتمع العراقي لتحقيق أهداف سياسية - اقتصادية هي:
1- خلق انطباع، عبر الصور التي تنقلها شاشات التلفاز، بأن العراق وشعبه ليس اهلا لحكم نفسه، وهذا يسمح بإعادة انتاج مبررات سياسة الوصاية والانتداب والاستعمار التي سادت في عشرينات القرن الماضي، مع توقع ان يأخذ استعمار أميركا للعراق وصفا حديثا مثل إعادة تأهيل الدولة، ما يعني ضمنا اعادة صوغ الدولة العراقية بمواصفات أميركية وتحويلها الى تابع دائم لأسباب بنيوية، وخصوصا في عملية تأهيل الوزارات التي فقدت كل مستنداتها وقوانينها وقراراتها التي إما أُتلفت أو أُحرقت أو نُهبت، ما يجعل عملية اعادة تأهيلها بمثابة عملية بناء من الصفر، وهذا سيجعل هذه الوزارات في بناها وهياكلها.
وذكرت الانباء ارسال 1200 أميركي مختص بالادارة العامة لمساعدة الجنرال غارنر في اعادة تشكيل الدولة العراقية، ناهيك عن استخدام أدوات واجهزة وتقنيات أميركية، صناعة أميركية بالكامل، تصبح فيها هذه الوزارات صورة عما يريده المحتلون الأميركيون لمستقبل الدولة العراقية.
2- تمزيق الوطنية العراقية ودفعها إلى التآكل والتلاشي عبر بث الفرقة وخلق صراعات دامية بين المواطنين على خلفيات دينية أو عرقية أو مناطقية، باستخدام أدوات الحرب النفسية، وبث الشائعات والاخبار الكاذبة عن النهب والسلب والقتل والاطراف التي تقوم بها (اشاعت انها تستعين بالشيعة في بغداد لملاحقة انصار النظام السابق، وأعطت الاكراد حرية حركة في الشمال، وخصوصا في مدن كركوك والموصل لاثارة صراعات وصدامات عرقية بين الاكراد والعرب والتركمان. اخذت موقفا سلبيا من المجابهات الدامية في النجف الاشرف).
وهذا لتحقيق عدة أهداف متكاملة:
أ - اغراق العراقيين في صراعات جانبية واشغالهم عن الاحتلال وأفعاله وأهدافه.
ب - اضعاف المجتمع العراقي كي يستمر الاحتلال من دون ان يواجه مقاومة تجعله احتلالا مكلفا يضطر واشنطن الى سحب جنودها.
ج - دعم اطراف وجهات عراقية مرتبطة بالمحتلين وافساح المجال أمامها كي تمسك السلطة على الارض وتتحكم في تشكيل الحكومة الانتقالية، وتوظيف هذه الحكومة في مقاومة مساعي الأمم المتحدة والدول المعارضة للاحتلال لوضع العراق تحت اشراف الامم المتحدة، وقطع الطريق على مشاركة شركات هذه الدول في اعادة اعمار العراق.
3 - تحقيق اكبر عائد اقتصادي ممكن من خلال اعادة اعمار وتأهيل الدولة العراقية، فالدمار الذي ألحقه القصف الأميركي - البريطاني الوحشي ليس كافيا لاشباع نهم الشركات التي تمول صقور الادارة الأميركية، فلجأ هؤلاء الى عمليات النهب والاتلاف والاحراق لرفع فاتورة اعادة الاعمار والتأهيل كي تقترب من توقعات هذه الشركات.
غير ان افاقة العراقيين ابناء الحضارة والامجاد السريعة، واكتشافهم أهداف المحتلين الخبيثة وتحركهم العفوي لوقف تدمير الدولة والذات واستنزاف امكانات البلاد، وضعت المحتلين في قفص الاتهام ودفعتهم الى حركة سريعة للالتفاف على هذا التحرك الشعبي بدعوة اركان الادارة العراقية المنهارة، وخصوصا في مجالات الأمن والشرطة والخدمات، للقيام بدور في حفظ الأمن وادارة الخدمات علها تضعهم في مواجهة حملات انتقامية تقود الى تجدد العنف والدماء بين العراقيين وتدفعهم الى مزيد من التمزق والانهيار.
ان سلوك المحتلين يبعث على الريبة ويستدعي الحذر مما وصفه مرجع ديني بالفتن المتنقلة، ويستعدي تحركا عراقيا عربيا اسلاميا دوليا مضادا يحصن ابناء العراق من الانزلاق نحو مصير غامض ويسرّع في وضع العراق تحت اشراف الامم المتحدة ويعجل في اقامة حكومة انتقالية تمهد لاجراء انتخابات برلمانية تضع دستورا للبلاد وتجري انتخابات رئاسية، أو يحضر المناخ لمقاومة عراقية ضد المحتلين
العدد 223 - الأربعاء 16 أبريل 2003م الموافق 13 صفر 1424هـ