العدد 2229 - الأحد 12 أكتوبر 2008م الموافق 11 شوال 1429هـ

عفوا أيها السبعة الكبار

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«ندعم بقوة الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي لمساعدة الدول المتضررة بهذه التقلبات. وسنسرع التطبيق الكامل لتوصيات منتدى الاستقرار المالي ونحن مدركون تماما للحاجة إلى إصلاح للنظام المالي».

تلك كانت العبارة التي اختتم بها وزراء المال وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة البلدان الصناعية السبع الكبرى المجتمعين في واشنطن من أجل الخروج بخطة تحرك من خمس نقاط تهدف الى اعادة الثقة في اسواق المال في العالم بعد الانهيارات المتواصلة التي عصفت بها.

ومن يراجع النقاط الخمس التي تضمنتها تلك الخطة، سيكتشف، أن اعترافها بأن الحاجة أصبحت «ملحة لإصلاح للنظام المالي»، يعنى أساسا انتشال المؤسسات «الغربية» من حالات الإفلاس التي هدت أركان معابدها، وهزت معها مرتكزات الاقتصاد الرأسمالي من قاعدته الأساسية.

نقاط الإنقاذ الخمس تتناسى، بقصد أو من دون قصد، قضيتين أساسيتين، تناقضان الدعوات التي راجت في السنوات العشر الماضية على لسان المسئولين الغربيين، وفي مقدمتهم الرؤساء الأميركان، داعية بإصرار إلى تقليص دور تدخل الدولة في شئون الاقتصاد المحلي، مغطية ذلك بملاءة اتفاقيات التجارة الحرة.

الأولى، هي أن العالم لم يعد كما كان في الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما كانت العواصم الغربية تتحكم في آليات صنع القرار في الاقتصاد العالمي من خلال مؤسسات مركزه المالي في الأسواق الغربية. لقد تشتت قرار ذلك الاقتصاد، على رغم أهمية الحيز الذي تحتله المراكز الغربية، فأصبحت تؤثر فيه على نحو استراتيجي، الأسواق الناشئة، بما فيها تلك الصغيرة مثل البرازيل.

أما الثانية، وهي الأهم، فهي أن دورة شباب وزخم الاقتصاد العالمي قد وصلت إلى ذروتها، وبدأت في الانحدار، ولم يعد في وسعها التجاوب مع متطلبات واحتياجات الاقتصاد المعرفي القائم أساسا على لا مركزية شديدة ترفض الانصياع لقوانينها الآلية التي تعمل بها الذهنية التقليدية التي لاتزال تسير العديد من مؤسسات صنع القرار المالي في الغرب.

ليس القصد من وراء ذلك الوقوف في وجه دعوات الإصلاح التي خرج بها السبعة الكبار، لكن القصد هو لفت نظرهم إلى عبارة وردت في ذلك البيان الختامي تقول بحاجة «النظام المالي العالمي إلى إصلاح»، ولم يعد الأمر بحاجة إلى إصلاح، بقدر ما أصبحت الحاجة تدعو إلى الخروج برؤية جديدة تنتشل النظام المالي الحالي من أوحال أزمته، وتضعه في هياكل بناء جديدة تأخذ في الحسبان مجموعة من المتطلبات الجديدة من بين أهمها:

1 - حاجة آليات أي اقتصاد أو نظام مالي جديد إلى قنوات لا مركزية في غاية المرونة، تبيح تفاعل تعدد مراكز التأثير في الاقتصاد العالمي، وتسهل تكاملها في آن، على أن يتم ذلك مع الاحتفاظ بالنسبة والتناسب بين صنع القرار وثقل السوق المالية المحلية أو الإقليمية في صنع ذلك القرار، أو التوجه الذي يزمع القيام به الاقتصاد الدولي. هذه المرونة الشديدة، لابد أن أن تكون أيضا قد ضمنت عمل صمامات أمن ذات صلاحيات عالمية تحول دون إفلات زمام أمر القرار كي يجد النظام نفسه أمام حالة من الانفلات التي يصعب التحكم فيها.

2 - تطوير القنوات اللامركزية تلك وتزويدها بما تحتاجه من صلاحيات تبيح لها التفاعل مع القوانين التي استحدثها الاقتصاد المعرفي بقاعدته وهياكله التحتية، التي ولدتها وبنتها ثورة تقنيات الاتصالات والمعلومات، التي اجتاحت العالم خلال السنوات العشرين الماضية.

3 - التفاعل الاستراتيجي الإيجابي مع الثقل الذي باتت تتمتع به الأسواق الناشئة، على المستويين الاقتصادي والسياسي، من خلال نسف المدخل الذي لايزال ينظر إليها بوصف كونها البقرة الحلوب التي تغذي الاقتصاد الغربي وتمده بما يحتاجه من مواد أولية، لم تعد اليوم مقتصرة على المنتجات الزراعية أو مواد خام توليد الطاقة فحسب، بل اتسعت دائرتها لتشمل أيضا، الموارد البشرية من خلال نظام سخرة جديد هو نظام العهدة «Outsourcing».

ومرة أخرى، ليس القصد هنا الدعوة إلى نسف ذلك التحول نحو نظام العهدة، بقدر ما هو تغيير القوانين التي تحكمه والتي لاتزال لصالح المراكز الشمالية الغربية، وضد مصالح وحقوق شعوب الجنوب والشرق. إذا، فليعذرنا السبعة الكبار، لأننا اليوم بحاجة إلى تغيير جذري، لا جراحة تجميلية محدودة الأفق قصيرة الأجل.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2229 - الأحد 12 أكتوبر 2008م الموافق 11 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً