مرة أخرى يسعى الإرهاب إلى أن يضرب ويتمدد في عواصمنا العربية والإسلامية محاولا خلط الأوراق من جديد، وهذه المرة من بوابة المخيم الفلسطيني مجددا.
فقد تناقلت وكالات الأنباء خبر الاشتباك بين إرهابيين وقوات من الأمن السوري التي تحمي مخيم اليرموك في دمشق على أنه اشتباك بين هذه الأخيرة والفلسطينيين.
من جهة أخرى فقد أعلن عن تسلل أميركيين اثنين قيل إنهما صحفيان إلى الأراضي السورية انطلاقا من لبنان في مهمة غامضة و «مفخخة» حيث تم إلقاء القبض عليهما من قبل السلطات السورية ومن ثم تم تسليمهما إلى السفارة الأميركية في دمشق، دون أن يطلع العالم على مهمتهما الخفية.
وبالأمس القريب فقط كانت طرابلس لبنان المدينة والجيش الوطني اللبناني أولا وطريق مطار دمشق الدولي ثانيا مسرحا لممارسات هذا الإرهاب نفسه المقنع بـ «السلفية» مرة و «القاعدة» مرة أخرى كعناوين للعنف الأعمى ومحاولة لإظهار عدم الاستقرار في البلدين الجارين اللذين يحاولان التعافي من إرث الماضي المثقل بالملفات الثنائية محل الاختلاف المزمن.
في هذه الإثناء فقد «اشتد» ساعد ما يسمى بحزب العمال الكردي التركي فجأة، وتم تزويده بأسلحة متطورة استطاع أن يفاجئ فيها الجيش التركي في عقر داره فيقتل منه ويجرح العشرات واضعا إياه والحزب الإسلامي الحاكم في الزاوية الحرجة مع شعبه ومع جيرانه، في وقت تتناقل فيه بعض الدوائر العليمة بانتقال جزء من أنشطة القاعدة إلى شمال العراق حيث مركز وجود هذا الحزب وحيث حكومة إقليم كردستان العراق الانفصالية النزعة.
على المقلب الآخر لم يعد سرا أن مثلثين إقليميين مدعومين بمعادلة دولية طامحة تحاول وراثة القيادة الأميركية المتعثرة للعالم أخذا يتبلوران منذ مدة على قاعدة محاربة هذه النشاطات الإرهابية، الأول وهو مثلث التعاون التركي الإيراني السوري سواء في مواجهة المسألة الكردية الانفصالية التي تستنزف القوات المسلحة والمجتمع في البلدان الثلاثة أو في مواجهة الشظايا المتطايرة من الإرهاب المتنقل الذي كان قد اتخذ من العراق قاعدة ومنطلقا له منذ الغزو الأميركي لبلاد الرافدين، والثاني وهو مثلث التعاون السوري اللبناني التركي في مواجهة الخلايا الإرهابية المتجمعة في طرابلس لبنان محاولة جعل المدينة اللبنانية الشمالية المعتدلة والوادعة بمثابة قندهار ثانية أو وزيرستان أخرى على حد تعبير البعض في لبنان.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو من له المصلحة في دعم وإسناد هذه الخلايا وفي هذا الوقت بالذات؟!
أي في وقت تحاول فيه سورية جاهدة في تسويق نفسها على أنها دولة لا تريد التغريد خارج السرب الدولي، بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما اتخذت القناة التركية وسيلة لفتح ثغرة حقيقية في جدار انعدام الثقة مع الإسرائيليين على خط ما بات يعرف بالسلام في الشرق الأوسط.
وأيضا في وقت تحاول فيه طهران الابتعاد عن أي استفزاز للشيطان الأكبر لا في العراق ولا في أفغانستان ولا في لبنان وهي التي أظهرت صدقيتها في دعم اتفاق الدوحة اللبناني الشهير وما يسمى بالمصالحة الوطنية العراقية وباتت بعيدة كل البعد عن فكرة التصادم مع أميركا في الرمال الأفغانية المتحركة.
وكذلك في الوقت التي يعمل فيه الحزب التركي الإسلامي الحاكم المستحيل من أجل أن يثبت للغرب كما لـ «إسرائيل» أنه حزب إسلامي معتدل ينبذ العنف ويبحث جديا عن موقع لائق له في ما بات يسمى بالمجتمع الدولي الحر.
فلماذا أذا ولمصلحة من يشتد ويتمدد العنف انطلاقا من لبنان مرة ومن العراق ثانيا وفي قلب سورية ولبنان وتركيا الآن بالذات وإلى الدرجة التي يقال إن الفرنسيين وبعض الأوروبيين باتوا متضايقين إلى الحد الذي باتوا يعتبرون فيه ما يجري في سورية ولبنان بمثابة تهديد جدي وحقيقي لجدار الأمن الأوروبي؟!
بل إن البعض من العالمين بخفايا الأمور يقول مؤكدا إنه وإذا لم تستطع كل من سورية ولبنان السيطرة على الوضع هناك وإنهاء الوضع الشاذ في طرابلس بالذات، فان فرنسا قد تلجأ إلى اجتماع قمة شبيه بذلك الذي عقد في دمشق في الآونة الأخيرة والذي ضم القيادتين التركية والسورية بالإضافة إلى القطريين والذي كان من أجل التطبيع مع سورية، لكنها قد تعقده هذه المرة من أجل رفع درجة التعاون مع سورية إلى المستوى الأمني والعسكري للتدخل بالتعاون مع دمشق لاستئصال ما بات يطلق عليه في بعض الأروقة بالخلايا التائهة أو المضللة المستخدمة في دورة العنف الجديدة.
صحيح أن الأزمة المالية العالمية التي تعصف حاليا بالاقتصاد الدولي قد تؤخر أو تربك بعض ما اتفق عليه بهذا الشأن منذ مدة، إلا أن ثمة سباق على ما يبدو بين تيارين إقليميين ودوليين أحدهما يعمل على التهدئة وتشجيع المصالحات الثنائية والمتعددة وتوسيع رقعة الهدوء والاستقرار وهو التيار المشار إليه آنفا في إطار المثلثين الأنفي الذكر المدعومين من فرنسا خاصة ومن أوروبا عامة، وآخر يسعى جاهدا لإعادة تنشيط خلايا الإرهاب والعنف الأعمى في إطار ما يسميه هو بالإرهاب «الحميد» لأنه ليس موجها لا ضد «إسرائيل» ولا ضد أميركا، بل مكرسا لزعزعة أمن الدول والقوى الممانعة، وهو والذي تقرر أن تتولاه الدولة العبرية على ما يبدو مدعوما بقوى إقليمية مجهولة الهوية والانتماء الشفاف، لكنها مربوطة بخيط دولي رفيع هو الخط الفاصل بين الإرهاب والمقاومة الشريفة.
وفي هذا السياق يقول زعيم التيار الوطني اللبناني الحر الجنرال ميشال عون الذي التقيناه مؤخرا في إطار تدعيم التعاون والتكامل الإقليمي والذي يقوم حاليا بزيارة إلى طهران هي الأولى من نوعها لزعيم مسيحي من الوزن الثقيل، إن ثمة إرادة دولية على ما يبدو تقف خلف زعزعة الاستقرار في بلادنا ومنعها من التوجه الحقيقي نحو التنمية وذلك من خلال إبقاء درجة التسخين في منطقتنا بالمستوى الذي يمنع الانفجار الشامل حماية لتأمين سلس لوصول الطاقة إلى البلدان الصناعية الكبرى من جهة, لكنه يمنع في الوقت نفسه القدرة لدى الدول النامية من التخطيط لمستقبلها في ظروف هادئة ومستقرة.
إنها معادلة أن يبقى فيها ما بات يعرف بالشرق الأوسط كالرجل المريض الذي «لا يموت فيها ولا يحيا» حتى تتمكن القوى العظمى ومن ورائها الكيان الإسرائيلي من التحكم في أجندته بحسب الظروف والاحتياجات فتشعله حين تريد وتبرده حين تشاء.
ولكن أما آن لهذا الشرق الذي يراد له أن يبقى بمثابة «الرجل المريض» الذي تتصارع على إرثه الأمم الصناعية الكبرى أن يتعافى من مرضه ويستيقظ من غفوته وينهض من نومه ويتعظ مما يجري في العالم ومن حوله ليطرح بدائله الخاصة به، ولاسيما في مجال التعاون الإقليمي والتكامل بين دوله وهو المالك لأهم ثروات العالم الأساسية والاهم موقعا في الخارطة الدولية؟!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 2228 - السبت 11 أكتوبر 2008م الموافق 10 شوال 1429هـ