على رغم نيل الرئيس الأميركي جورج بوش موافقة الكونغرس على خطته لإنقاذ الاقتصاد بكلفة 700 مليار دولار، تواصل الأزمة المالية تفاعلها على الصعيدين: القطاعي الداخلي والجغرافي الدولي. على الصعيد القطاعي بدأت تلسع قطاعات أخرى مالية وصناعية متجاوزة بذلك القطاع العقاري الذي أطلق شرارتها، وعلى الصعيد الدولي، حيث بدأنا نلمس عدواها إلى دول أوروبية مثل ألمانيا وبريطانيا، وبعض دول شرقي آسيا.
هذه الحالة الأميركية القابلة للانتشار، والمنذرة بمرحلة قاتمة في مسارات الاقتصاد العالمي تقتضي التوقف عندها ورؤية سيناريوهاتها المحتملة خلال الفترة القصيرة القادمة، من دون إغفال تلك البعيدة المدى منها. ومن الطبيعي تعذر ذلك في غياب تشخيص دقيق للواقع الراهن الذي يمكن حصر معالم صورته، آخذين في الاعتبار التداخل العميق بين السياسة والاقتصاد، أو ما يمكن أن نطلق عليه التفاعل السيو - اقتصادي، في الإطار الآتي:
1 - انكسار موجة المد الأميركي التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، والتي كرست زعامة واشنطن للعالم الغربي الرأسمالي في أعقاب تلك الحرب، لكونها الدولة المنتصرة الأكثر تضررا من الحرب على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ثم تراجع الزخم السياسي الذي اكتسبته في أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي، حين تفردت الولايات المتحدة بزعامة العالم الأحادي القطب.
2 - تضرر الولايات المتحدة من تدخلاتها العسكرية العشوائية في العديد من بؤر التوتر العالمية، والتي ولدت البعض منها السياسة العالمية التي تبنتها إدارة بوش.
3 - تفاقم أزمات واشنطن الاقتصادية المتوالية على امتداد الفترة التي أعقبت الحرب الكونية أيضا، والتي سمحت للاقتصاد الأميركي بالتوسع عالميا من خلال مشروعات من نمط «مشروع مارشال» لانتشال أوروبا من أزمتها التي ولدتها تلك الحرب، ثم جاء مؤتمر بريتو وودز كي يجعل من الدولار العملة العالمية التي تقرر بشكل أو بآخر مؤشرات أسعار الأسواق المالية، ومعها أسعار تحويل العملات من واحدة إلى أخرى... أدى إلى أزمة بنيوية في الاقتصاد الأميركي قادت إلى تعثر الاقتصاد وتراجع موقع الدولار.
4 - بروز كتل اقتصادية، أو مالية وطنية أوإقليمية. بعضها ضخم وقادر على منافسة الاقتصاد الأميركي كالاتحاد الأوروبي والهند والصين، وبعضها الآخر ذو أحجام صغيرة لكنها مؤثرة مثل كوريا وبعض دول أميركا اللاتينية مثل فنزويلا. وبين هذين هناك كتلة مالية مميزة هي دول مجلس التعاون الخليجي.
انطلاقا من هذه الصورة يمكن القول إن ما ينتظر الاقتصاد الأميركي هو واحد من ثلاثة سيناريوهات محتملة، وربما محصلة تتداخل فيها عناصر تلك السيناريوهات:
1 - فقدان الولايات المتحدة لزعامتها العالمية على الصعيدين المالي والسياسي، وتحولها إلى مركز من عدة مراكز لاتخاذ القرار على المستوى العالمي، الأمر الذي من شأنه إحداث بعض الفوضى المحدودة والمؤقتة، ستستمر، إلى حين بروز كتلة أو دولة مؤهلة لقيادة العالم أو تكون صاحبة قرار فيه. وأكثر الكتل تأهيلا لذلك هي الكتلة الآسيوية كتجمع إقليمي أو الصين كقوة وطنية أحادية.
2 - إعادة تشكيل الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها، أو ذات العلاقة بها، مثل مجلس الأمن الدولي والبنك الدول وصندوق النقد الدولي، بما يلبي حاجات وكتطلبات الحالة الجديدة.
3 - بروز عملة عالمية أو سلة عملات دولية، ليست بالضرورة مسكوكة ومتداولة في سوق معينة، وتتبع دولة معينة، بل ربما تحدد لها قيمة معيارية دولية، تحل مكان الدولار، وتصبح العملة الوحيدة المعترف بها عالميا، وتسعر، وفقا لقيمتها، العملات الأخرى والمعاملات المالية، بما في ذلك تحويلات العمل وتسعير سلع إستراتيجية مثل النفط، أو ذات قيمة عالمية مثل المعادن الثمينة من ذهب وفضة.
كل هذه السيناريوهات ستمس بشكل مباشر المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص الدول النفطية منها وذلك لسببين: الأول، تمتلك هذه الدول سلعة استراتيجية، لا يمكن لأية إعادة للوضع الدولي أن تتجاهلها، وتلك هي النفط. والثاني، توجد بتصرف هذه الدول، سيولة نقدية راكمتها الطفرات المتكررة في أسعار النفط خلال الأربعين سنة الماضية، لا تستطيع أسواق تلك البلدان إمتصاصها كاملة في الفترة الزمنية المنظورة المقبلة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2224 - الثلثاء 07 أكتوبر 2008م الموافق 06 شوال 1429هـ