عندما نتابع ما كُتب عن التربية على حقوق الإنسان في مملكة البحرين فإننا نجد جملة من المعوقات التي أشارت إليها مجلة موارد (تصدر من منظمة العفو الدولية، وهي نشرة إقليمية متخصصة في التربية على حقوق الإنسان في بيروت 2006، العدد 5، ص 29) وتتمثَّل في الآتي:
1- عدم توافر مدرِّبين يتولون تأهيل زملائهم من مربين وإداريين للقيام على وجه أفضل بالتربية على حقوق الإنسان، وتوفير المناخ الملائم لذلك.
2- الحاجة إلى توفير أدوات تقويم لهذه المبادئ، وكيفية ممارستها عمليا، وكيفية التأكد من تحقيق أهدافها.
3- إعداد أدلة تتضمن نماذج تطبيقية لتدريس مفاهيم حقوق الإنسان يعتمد عليها المعلمون.
ولنا أن نناقش تلك المعوقات مناقشة علمية:
فيما يتعلق بعدم توافر مدربين، فإن هناك عددا لا بأس به من المدربين والمتخصصين في مجال حقوق الإنسان في الجمعيات والمنظمات الأهلية، إلا أن البعض منهم لم يتجه نحو المجال الأكاديمي، وفي هذا السياق بإمكان الأطراف ذات العلاقة بتنمية الوعي بحقوق الإنسان كوزارة التربية والتعليم ومعهد البحرين للتنمية السياسية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والخارجية البحرينية والمنظمات الحقوقية أن تطرح مبادرات نوعية تصب في هذا الاتجاه كاستضافة مدربين عالميين ونشطاء في مجال التربية على حقوق الإنسان لإقامة سلسلة من الدورات وورش العمل تستهدف العاملين في الحقل التربوي من قيادات تعليمية ومعلمين وإداريين، ولعلَّ من المناسب هنا الإشادة بمهرجان البحرين الدولي لأفلام حقوق الإنسان، الأول من نوعه في المنطقة العربية برعاية جلالة الملك، والذي أقامته الجمعية البحرينية للحريات العامة في مايو/ أيار الماضي، إذ شارك فيه سينمائيون ومخرجون وممثلون عالميون بأفلامهم الحائزة على جوائز عالمية، إذ كان له دور كبير في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان في الأوساط المحلية، ذلك أن غالبية الحضور من فئة الشباب من الجنسين سواء من طلبة المدارس أو الجامعات، كما أن أكثر الناس يتفاعلون مع الصورة المرئية أكثر من النص، إذ إن أكثر الناس «بصريين» بامتياز، لذلك حقق المهرجان نجاحا، لتنضم مملكة البحرين بعد الانتهاء من الدورة الثالثة إلى الشبكة العالمية لتنظيم مهرجانات أفلام حقوق الإنسان في العالم.
كما أننا كتربويين ندعو إلى «مسرحة مفاهيم حقوق الإنسان» في المدارس عموما، بدءا من حلقات التعليم الأساسي وانتهاء بالجامعة، وذلك بوضع برامج نوعية عن طريق مركز رعاية الطلبة الموهوبين التابع لوزارة التربية والتعليم لاكتشاف الموهوبين في مجال التمثيل والمسرح.
أما بالنسبة للحاجة إلى توفير أدوات تقويم لمبادئ حقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) وكيفية ممارستها عمليا، فإن تدريس حقوق الإنسان يتطلب وضع نظم للتقويم والامتحانات مختلفة تماما عن كثير من الأنظمة المعمول بها حاليا في الامتحانات المدرسية، والتي تقيس في كثير من أبعادها أدنى مستويات المعرفة كالتذكر والحفظ والاستظهار، بحيث يقوم الطالب بإفراغ المادة التي حفظها، والمعلومات التي تلقاها من المعلم في أوراق الإجابة، وهو ما يعبر عنه الكاتب البرازيلي باولو فريري بـ «التعليم البنكي»، تماما كما نقوم بإيداع مبلغ من المال من البنك والسحب وقت الحاجة، المسألة أبعد من ذلك في تقييم مدى إلمام واستيعاب الطالب لمفاهيم حقوق الإنسان في حياته اليومية، فلابد أن يقوم الطالب بإجراء مقارنة بين موضوعين أو أكثر، أو الربط بين فكرتين أو أكثر، أو تحليل عنصرين من عناصر الموضوع أو أكثر، كأن يُطلب منه مثلا المقارنة بين حق الحرية في الإسلام من جهة، وفي المواثيق العالمية من جهة أخرى، أو حق الحياة في الإسلام وفي المواثيق العالمية وهكذا.
وفي جميع الأحوال يتحتَّم على الطالب أن يدلي برأيه الشخصي بشأن أهم النقاط المثارة، كما ويمكن للمتحِن أن يقترح قضية من القضايا الحيَّة والمثارة على الساحة المحلية أو العالمية، ويُطلب من الطالب أن يقترح البدائل والحلول الممكنة.
وأخيرا فإن ما يتعلق بإعداد أدلة تتضمن نماذج تطبيقية لتدريس مفاهيم حقوق الإنسان، فإن الدعوة لتقييم تجربة مقرر «التربية للمواطنة» مسألة مهمة، لا من حيث المحتوى فحسب، وإنما من خلال مراجعة ملاحظات اختصاصيي التوجيه التربوي في زياراتهم الميدانية للمعلمين، لأن البعض يسأل: هل وظيفة اختصاصي التوجيه فقط زيارة المعلم في المدرسة، والسلام؟!
إننا وبعد ما يربو على 3 سنوات من تجربة تطبيق مقرر «التربية للمواطنة» نرى من الضرورة بمكان أن تكلف وزارة التربية والتعليم اختصاصيي التوجيه التربوي والمناهج بضرورة نشر بعض النماذج التطبيقية المضيئة والمتميزة لهذه التجربة ليتم تعميمها كدليل استرشادي يرجع إليه المعلمون، فلو أخذنا مثلا مادة التربية الفنية لمرحلة التعليم الأساسي لاكتشفنا العديد من الطاقات والمواهب في الرسم أو الكاريكاتير الذي قد يعبر عن حق من حقوق الإنسان هنا، وانتهاك لحق جماعة أو أمة هناك، إذ إن جمع هذه اللوحات في كتاب أو دليل لا يكفي، فلا بدَّ من إقامة المعارض والمهرجانات وتفعيل دور الكشافة التي تعكس بدورها روح التعاون والعمل الجماعي.
في العام 2004 صدرت مذكرة من وزارة التربية والتعليم ردا على مقترح رئيس مجلس النواب لتدريس مادة الديمقراطية وحقوق الإنسان بصفة إلزامية ضمن مناهج التدريس لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، كما ورد في توصيات لجنة الخدمات بمجلس النواب في ردها على وزارة التربية بضرورة التفريق بين تدريس حقوق الإنسان، وبين مادة التربية الوطنية أو للمواطنة.
صحيح أن ثمة مبادرات وجهود بذلتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان مع وزارة التربية والتعليم في هذا الاتجاه، ولكن المهم هو الاتفاق على جدول زمني لتنفيذ تلك المبادرات.
إننا ندعو أعضاء السلطة التشريعية بغرفتيها (الشورى والنواب) أن يتعاونوا مع المسئولين والمعنيين في هذا الملف مع بداية دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الثاني، وهو ما نتمناه
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 2220 - الجمعة 03 أكتوبر 2008م الموافق 02 شوال 1429هـ