حققت قناة السويس خلال شهر أغسطس/ آب 2008 أعلى إيراد يقدر بنحو 5,504 ملايين دولار مقابل 402,98 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، أي بزيادة تقدر بنحو 52,101 مليون دولار ونسبتها 25.19 في المئة. وذكر بيان لهيئة قناة السويس، أن عدد السفن العابرة للقناة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2008 بلغت 14 ألفا و283 سفينة، حمولاتها 608،770 ملايين طن مسجلة زيادة في أعداد السفن قدرها 1027 سفينة بنسبة 7،7 في المئة، وزيادة في الحمولات تبلغ 58،930 مليون طن بنسبة 10،7 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ليست هذه حالة استثنائية بالنسبة إلى إيرادات قناة السويس، فإحصاءات العام 2007، شكلت هي الأخرى قفزة مقارنة بالعام الذي سبقه، إذ تجاوزت الإيرادات في ذلك العام حاجز الاربعة مليارات دولار بنسبة زيادة تقترب من 20 في المئة عن ايرادات العام المالي الذي سبقه، وكان ذلك الرقم حينها أعلى الارقام القياسية فى تاريخ قناة السويس. ويرجع هذا التحسن فى الأداء، وفقا للتقارير الرسمية المصرية إلى زيادة أعداد السفن العابرة للقناة بنسبة 8،7 في المئة ولحمولتها الصافية بنسبة 14،6 في المئة.
وتحتل قناة السويس خانة مهمة في التاريخ العربي المعاصر، وليس المصري فحسب. فقد ارتبطت القناة بالعدوان الثلاثي، الذي شنته بريطانيا وفرنسا بالتعاون والتنسيق مع «إسرائيل»، على مصر، ردا على قرار تأميم الشركة العالمية البحرية لقناة السويس الذي أعلنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطاب ألقاه في 26 يوليو/ تموز 1956، متهما إياها بنهب حقوق المصريين. فقد ردت بريطانيا وفرنسا على ذلك القرار المصري برفضهما الاعتراف بتأميم القناة.
ويرجع العديد من المؤرخين محاولات المصريين للربط بين البحرين المتوسط والأحمر إلى المرحلة الفرعونية، عندما حاول أحد فراعنة الأسرة الثانية عشرة سنوسرت الثالث شق قناة تربط البحرين المتوسط والأحمر. فكانت السفن، تسير حتى «بوباستس» (الزقازيق) ثم تتجه شرقا إلى «تيخاو» (أبوصوير) ومنها عبر البحيرات المرة التي كانت خليجا متصلا بخليج السويس ومنها إلى البحر الأحمر، إلا أن هذه القناة كثيرا ما ردمت وتجددت في عصور الفراعنة والرومان.
وفي العام 1799، كلف بونابرت أحد المهندسين الفرنسيين تشكيل «لجنة لدراسة جدوى حفر قناة اتصال بين البحرين»... إلى أن جاء محمد علي باشا في العام 1854 كي يعهد بشق القناة الحالية التي نعرفها اليوم إلى المهندس الفرنسي فرديناند دي لسبس... وتم الاكتتاب في 1858 في أسهم شركة قناة السويس كشركة عالمية وتم الاكتتاب وتكوين مجلس إدارتها. ومنذ ذلك التاريخ أجريت على القناة الكثير من التطويرات من أجل توسيعها، وزيادة حمولة السفن التي بوسعها المرور فيها، كي تحقق الإيرادات التي تحققها اليوم.
ومنذ ذلك التاريخ أيضا، اكتسبت القناة، بالإضافة إلى اهميتها التجارية، بعدا سياسيا تجسد أول ما تجسد عندما احتلت بريطانيا مصر في القرن التاسع عشر، عندما انبرت فرنسا كي تحول دون سيطرة الإنجليز لوحدهم على القناة، واقترحت عوضا عن ذلك تحويلها إلى ممر دولي تسير حقوق العبور فيها واستخدامها قوانين دولية، وهذا ما قامت اللجنة الدولية التي اجتمعت في باريس وضمت ممثلين لدول أوروبية ومعها تركيا ومصر، وبعد مفاوضات تم توقيع اتفاقية الآستانة الخاصة بتنظيم إدارة القناة في أكتوبر/ تشرين الأول 1889 وأقرت هذه الاتفاقية تدويل القناة و «حيادها»، إن جاز القول.
ومثلما اكتسبت قناة السويس وخدماتها بعدا استراتيجيا عالميا، شكلت إيراداتها همّا اقتصاديا داخليا يبرز على سطح الحياة السياسية المصرية، وخاصة عند اندلاع الأزمات. ففي مطلع هذا الشهر، وفي أعقاب الأحداث الدامية التي ولدتها أزمة الغذاء والغلاء التي اجتاحت مصر - وأدت إلى صدامات دامية ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، كانت إيرادات قناة السويس إحدى القضايا المطروحة أمام البرلمان المصري عندما تقدم عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين النائب عزب مصطفى بسؤال إلى وزير النقل المصري مستفسرا عن مصير إيرادات قناة السويس، مستطردا في القول «لو أن هذا الدخل يساهم في دعم السلع الأساسية للدولة، فلو كان كذلك لشعرنا به في أي سلعة، ولتكن رغيف الخبز؟»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2216 - الثلثاء 30 سبتمبر 2008م الموافق 29 رمضان 1429هـ