العدد 2211 - الأربعاء 24 سبتمبر 2008م الموافق 23 رمضان 1429هـ

وريث دين محمد: الإمام الذي اهتم

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يجد قادة المسلمين في الولايات المتحدة أنفسهم أحيانا في وسط الأضواء الإعلامية، وما تحتويه من الاهتمام الإعلامي وأحيانا الأمور الخلافية. إلا أنه خلال العقود القليلة الماضية تمكن زعيم أميركي مسلم كبير من البقاء بعيدا عن الأضواء، وفي الوقت نفسه ترك انطباعا باقٍ على مجتمع المسلمين الأميركيين الواسع. هذا الرجل هو الإمام وريث دين محمد، الذي أصبح معروفا في «أمة الإسلام»، تلك المنظمة التي أسسها والده إلايجا محمد، ليصبح زعيما مسلما معروفا على المستوى العالمي.

توفي وريث دين محمد بداية الشهر الجاري عن عمر أربعة وسبعين عاما.

برز نجم وريث دين محمد في نهاية المطاف في أوساط جاليات المسلمين الأميركيين من أصول إفريقية، والمسلمين المهاجرين، وأصبح أول مسلم يقدم طلبا لمجلس الشيوخ الأميركي ويخدم في مناصب قيادية عديدة لمنظمات مسلمة وأخرى تعمل في مجال حوار الأديان.

تبقى رحلته غير العادية منذ ثلاثين سنة من «أمة الإسلام» ذات الحوافز والأهداف السياسية إلى التيار الرئيسي في الإسلام، وهي رحلة اتبعها الغالبية من نحو مليوني مسلم أميركي من أصول إفريقية، تبقى أكبر إنجاز ملهم تمكن من تحقيقه، جمع بين الفخر بالمثل الأميركية والمسئولية نحو جعل أميركا مكانا أفضل.

وعلى رغم أنه اعتبر خليفة وبشكل طبيعي للقيادة داخل «أمة الإسلام»، إلا أن وريث دين محمد أصبح أكثر انفتاحا بشأن رفضه لتعاليم والده: ألوهية السود والأصول الإلهية لمؤسس المنظمة والأس فارد محمد «كمخلص إلهي» و الاعتقاد بأن البيض هم صورة الشيطان.

درس وريث دين محمد القرآن الكريم عندما قضى فترة في السجن لمعارضته التجنيد الإجباري لأسباب ضميرية، وطوَّر شجاعته لمواجهة تعاليم والده، حتى بينما كان يجري إعداده لخلافته. بعد إطلاق سراحه من السجن، عاد فانضم لزعامة حركة والده، بينما تنامت شكوكه بصورة أكبر وأوسع.

أبقاه رفضه للتعاليم غير التقليدية لأمة الإسلام، إضافة إلى مجابهته المفتوحة للفساد داخل المنظمة، بعيدا عن الأضواء بين الزعماء الآخرين للمجموعة. بعد عشر سنوات من وفاة والده تمكن وريث دين محمد من الوصول إلى سدة الزعامة وبدأ بتحويل الحركة باتجاه الرؤية التي قضى عقدا من الزمان في تطويرها وتشكيلها. بحلول العام 1977 تمكن أخيرا من فصل «الأمة» عن تعاليمها الأصلية والاستغناء عن الاسم، تاركا إياها وقلة من المؤمنين بها للداعية لويس فراخان، الذي يدير «أمة» أصغر بكثير هذه الأيام.

وعلى رغم أن وريث دين محمد كان مصمما على إعادة توجيه منظمته نحو الإسلام القديم، إلا أنه فعل ذلك دون أن يرفض التعاليم الإيجابية التي أتت بها حركة «الأمة» إلى تلك الجالية، مثل الاعتماد على الذات والانضباط الذاتي. «تمكن من تحقيق أمرين مثيرين للإعجاب» يقول أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة هوارد سليمان فيانغ. «أحدهما إعادة «أسلمة» الحركة والثاني إعادة «أمركتها».

مدت جالية الإمام وريث دين محمد، تحت قيادته، يد التعاون نحو مجموعات إيمان أخرى وأكدت على الترابط الاجتماعي كوسيلة للتمكين الذاتي وعملت باتجاه الاكتفاء الاقتصادي الذاتي. ويقال إن الجالية نمت تحت تأثيره ليصبح عدد أفرادها نحو المليون نسمة.

إلا أن تأثير الإمام وريث دين محمد وصل إلى خارج الجالية المسلمة الأميركية من أصول إفريقية كذلك. وعلى رغم جهل بعض المهاجرين المسلمين (الذي ما زال قائما) بما قدمه وريث دين محمد لجاليتهم، إلا أن تأثيره امتد وبشكل معمق داخل القيادة المسلمة. فبينما كان يتواصل مع المنظمات المسلمة المهاجرة، ومعظمها من المسلمين، أتى بدروس نحو نصف قرن من التنظيم ووضع الرؤى على الطاولة.

بعد تقديمه طلب وضع قانون موضع التنفيذ أمام مجلس الشيوخ العام 1993، قام بمتابعة قانونين اثنين آخرين لصالح الرئيس بيل كلينتون. اشترك كذلك في مسرح مع البابا يوحنا بولس الثاني والدالاي لاما العام 1999، مخاطبا أكثر من مئة ألف شخص في الفاتيكان. وفي العام 2000 أجرى مصالحة عامة مع لويس فراخان، على رغم أن ذلك اعتبر مؤشرا على خضوع «الأمة» المتزايد لإسلام التيار الرئيسي الذي كان وريث دين محمد يوجه جاليته باتجاهه.

تنحى وريث دين محمد في سنواته الأخيرة عن النشاطات القيادية لجاليته التي أصبحت لا مركزية في قيادتها والتي سيطر عليها والده بصرامة في يوم من الأيام.

وجد وريث دين محمد، بعد أن ابتعد عن الأضواء حتى النهاية، ملاذا في منظمة أسمها «المسجد يهتم» The Mosque Cares، حيث قضى بقية أيامه يتحدث عن الإسلام والحاجة لبناء جسور تفاهم بين الأديان والمجتمعات العرقية المختلفة.

«ليس عندي شهادة دكتواره، أو ماجستير أو حتى بكالوريوس»، قال وريث دين محمد يوما في غرفة مليئة بالمسلمين في سن المراهقة. «ولكنني ارتبطت بشيء أكثر عظمة، إنه يجعلني محترما مبجلا في حضرة الملوك والملكات ورؤساء الجمهورية».

«جعله ذكاؤه المتأصّل وفطنته الأكاديمية حكيما، ولكن قلبه العطوف وشخصيته الخيرية بطبيعتها هما اللذان جعلاه محبوبا لهذه الدرجة».

يقول عضو الكونغرس أندريه كارسون. «أقدم تعازيّ الحارة لأسرته وأصدقائه وهم ينعون وفاته».

يجسد كارسون، وهو واحد من عضوين مسلمين اثنين في الكونغرس روح الخدمة العامة التي حاول وريث دين محمد إيجادها في الأميركيين المسلمين، والتي تدمج الروحانية الإسلامية الجوهرية مع شعور عالمي بخدمة الإنسانية.

من الأرجح ألا يتكرر بحر التغيير الذي قاده داخل جالية المسلمين الأميركيين من أصول إفريقية. ولكن يتوجب الحفاظ عليه.

*مركزه لندن، محرر مشارك في altmuslim.org، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2211 - الأربعاء 24 سبتمبر 2008م الموافق 23 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً