العدد 221 - الإثنين 14 أبريل 2003م الموافق 11 صفر 1424هـ

علماء الدين يتولون المسئولية في «مدينة الصدر»

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

يشاهد الصُبغ الجديد في كل مكان في «مدينة الصدر» التي كانت تسمى إلى وقت قريب «بمدينة صدام»، في بوابة مدرسة البنات المتوسطة، فقد مررت على رسام يباشر عمله بوضع طلاء على كلمة «صدام» ليكتب مكانها كلمة «الصدر».

كان الإمام السيد محمد باقر الصدر أحد الضحايا الأوائل لنظام صدام. أذكر أن حاكم النجف أسرّ لي ـ عندما زرتُ مدينته قبل عقدين من الزمان ـ بكل فخر قائلا: «نعم، قمنا بشنقه»، وأضاف مبتسما «وأخته كذلك». وتقول القصة إنهم أحرقوا لحيته بمشعل سجائر ودقوا مسمارا في عينه قبل أن يشنقوه. لذلك تحمل هذه المدينة ـ التي تحتوي أكواخ المسلمين الفقراء، ذات المجاري الطافحة وأكوام القمامة، والتي تعتبر مركز المعارضة لحزب البعث ـ اسم الإمام الشهيد وكل الآمال التي كان يتمناها أن تصبح البلاد جمهورية إسلامية.

ولهذا نجد تنبيها كبيرا على حائط: «الإسلام والصدر لا يقران هذه المسروقات». وكان أفضل متحدث باسم المدينة الشيخ عارف جاسم السعيد، إمام مسجد السجاد، والأمين على ما يعتقد أنها نصف المسروقات من المحلات في بغداد. وفي الواقع امتلأ مسجده بالكراسي والأدوية واللصقات والضمادات... إلخ.

أخبرني الشيخ عارف قائلا: «يجب أن تُعطى كل هذه الأشياء للناس في المستشفيات التي هي في حاجة إليها». وأضاف ـ وهو ينظر لي بعناية من خلال نظارته الشفافة ـ «نحن بصدد وقف جميع هذه المسروقات، لقد قمنا بعمل خزائن وقوائم من أجل أن ترجع هذه الأشياء إلى الناس في بغداد».

وكان هناك مجموعة من العلماء الذين يرتدون العمامة السوداء في ساحة المسجد، قلقون بشأن أكياس حليب الأطفال الفيتنامي، والكراتين غير المفتوحة التي طبع عليها «مستورد بواسطة جمهورية العراق، وزارة التجارة، الشركة الحكومية للمواد الغذائية». وطبعا أعلم من أين جاءت هذه البضاعة. فقد لاحظت حمّالين اقتحموا وزارة التجارة قبل أربعة أيام فقط.

وفي أنحاء مدينة الصدر ـ كما يجب أن تسمى الآن ـ هناك نقاط تفتيش ومتاريس ورجال مسلحون ذوو لحى خفيفة. وليس في المدينة ثورة حقيقية على رغم ان بعض الرجال المسلحين أقروا بأنهم يبحثون عن بعض «الطوائف»، التي قالوا إنها باشرت إطلاق النار عليهم، وانهم في حالات أخرى يعتبرون «متطوعين عربا» جاءوا إلى العراق لمقاتلة الأميركيين.

وقال الشيخ عارف إن أنصاره قبضوا على خمسة من هؤلاء، أفغاني وسوري وسعودي ومغربي. وأضاف: «لكن نحن هنا من أجل جميع الناس من كل الطوائف الدينية، فنحن نأكل ونشرب ونصلي معا». ويبدو أن الرجال المسلحين مطيعون وموالون لأئمتهم وليس لديهم مزاج لمقاتلة الأميركيين.

وأضاف الشيخ عارف: «لدينا أمن الآن في منطقتنا ويجب أن نعيد بناء أنفسنا، ويجب أن تكون هناك أعمال لشعبنا. وقال الأميركيون إنهم جاءوا لتحريرنا ونحن سعداء بذلك. ولكن متى تعود إلينا الكهرباء والماء؟ إذا أراد الأميركيون مساعدتنا، لماذا لا يبقون على هذه الخدمات لنا؟ أميركا دولة ذات قوة عظمى، وباستطاعتها فعل ما تريد». وكان الإمام عارف وأتباعه يشاطرون الولايات المتحدة الرغبة في مشاهدة «المتطوعين» العرب يطردون من العراق.

واستطرد قائلا: «قالت أميركا إنها ترغب في محاربة الارهاب، وكذلك نحن. ولكن هل حقيقة أن الأميركيين يريدون تحريرنا؟ حسنا، سيثبت المستقبل ذلك».

إن أحياء مدينة الصدر الفقيرة عبارة عن مكتبات شفهية لآلام التعذيب. فقط اسأل أي رجل: أين مركز التعذيب تحت الأرض الرئيسي لصدام؟ سيخبرك أنه المجمع في البلديات أو مركز الاستقبال بجانب الأقدمية.

وخارج مجمع البلديات ـ الذي يحتوي على ستة مجمعات سكنية للشرطة السرية وأسرهم ـ هنال شخصان يطلبان معلومات عن أخ وأب أخذا إلى هناك منذ 20 عاما ... هل مازالا هنا؟

ولم يكن في المبنى غير الأميركيين، مع متحدث يلقي محاضرة عن العلاقات بين صدام و«الارهاب الفلسطيني». يقول إنه وجد صورة لأبي العباس زعيم ما يسمى بجبهة تحرير فلسطين التي وزعت أموالا على جميع الفلسطينيين الذين قتل أقرباؤهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وهو يصافح بيده ضابطا في الحرس الجمهوري العراقي والعلم الفلسطيني. وكان هذا هو الدليل بيد أميركا!

وقال المتحدث «الارهاب هو الارهاب»، ولكن أليس الفلسطينيون يقاتلون جيشا محتلا؟ أجاب: «لا أريد مناقشة ذلك». ولكن النقطة الأساسية أن جميع سكان مدينة الصدر يدعمون الفلسطينيين في كفاحهم ضد «إسرائيل».

وفي الواقع، في مدينة النجف أمس الأول، ذكر ان حشدا من الرجال المسلحين أعطوا آية الله السيستاني ـ الذي يعتقد أنه أخبر أتباعه بعدم مقاتلة الأميركيين ـ 48 ساعة لمغادرة المدينة إلى دولة أجنبية. وأرجعت رواية أخرى القتل الذي حدث إلى تصريحات مماثلة الأسبوع الماضي.

ولكن في هذه اللحظات تبتسم مدينة الصدر ثناء على الغرب. إذ قال الشيخ عارف: «نحن نريد هذه الديمقراطية التي يتحدث عنها الغرب. تعريفنا للديمقراطية هو: إعطاء الشخص كل الحريات بجميع الطرق التي تتوافق والقيم الأخلاقية». وقاطعه رجل آخر ـ لم يكن رجلدين وانما موظفا في إدارة الكهرباء - «عندما جئتم أنتم الإنجليز إلى هنا، أجبرناكم على المغادرة. الآن جاء الأميركيون ولكننا لا نرغب في بقائهم هنا»

العدد 221 - الإثنين 14 أبريل 2003م الموافق 11 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً